Estudios Filosóficos (Parte II): En la Filosofía Occidental Moderna y Contemporánea
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Géneros
القادر قدرة مطلقة في العاطفة أو سر الصلاة:
إن وعي إسرائيل هو نموذج الوعي الديني باستثناء المصلحة الوطنية. ويكفي إسقاط حدودها حتى ترى الدين المسيحي. اليهودية هي المسيحية الأرضية والمسيحية هي اليهودية الروحية. المسيحية هي اليهودية بعد تطهرها من الأنانية الوطنية وهي في الوقت نفسه دين جديد لأن كل تطهير يعبر عن رؤية جديدة. في اليهودية الإسرائيلي هو الواسطة بين الإنسان والله، ولم يكن «ياهوه» إلا شعور الإسرائيلي بذاته بعد أن تموضع في موجود مطلق وفي وعي وطني وفي قانون شامل وفي مركز سياسي. بعد إسقاط الحدود الوطنية يصبح الإنسان من حيث هو إنسان هو الواسطة بين الإنسان والله. وكما يضع الإسرائيلي ذاته يضع المسيحي ذاته في الإنسان المتحرر، وكما يضع الإسرائيلي احتياجاته كذلك يفعل المسيحي. فهناك معجزات في المسيحية مشابهة للمعجزات في اليهودية، ليس الهدف فيها مصلحة الأمة بل خير الإنسان. المؤمن هو المسيحي فحسب وليس الإنسان العام الحقيقي. لقد دخلت المسيحية الروحانية في الأنانية اليهودية برفعها إلى الذاتية حتى ولو تحولت الذاتية إلى أنانية مسيحية أخرى. حولت المسيحية الخير الأرضي إلى هناء سماوي. لقد تركز إله الشعب السياسي في اليهودية، في التوراة، وهو المطلق الإلهي، ولكن في المسيحية تحول القانون إلى الحب، الحب الذي يقتضي التضحية بكل شيء من أجل الحبيب. الله هو الحب الذي يشبع رغبات الإنسان، هو يقين القلب وتأكيد الذات. ولا توجد حدود في الحب، بل هو المطلق اللانهائي. العاطفة إذن هي إله الإنسان، والله هو تمني القلب. والصلاة هي التي تسمع العاطفة التي تدرك ذاته. هي مدى الأنا الداخلية، يتخارج الألم فيها كما هو الحال مع قيثارة الفنان فيمحو الألم ويتحول إلى لحن، ويصبح الألم ماهية شاملة. ولما كانت الطبيعة لا تستمع إلى آلام الإنسان فإنها تتحول إلى الطبيعة اللامرئية، إلى الطبيعة الباطنية، يشكو إليها الإنسان آلامه، فيتخفف منها بهذا العزاء القلبي، بهذا التعبير عن الألم وهذا هو سر الله. الله دمعة حب تذرف سرا على الشقاء الإنساني. الله تنهد دفين في قرار النفس. وهنا تولد دلالة الصلاة، وهي ليست أقل من دلالة التجسد، صلاة الحب والألم. ففي الصلاة يحادث الإنسان الله ويسميه أنت. فالله هو الآخر المغاير، الأنا الآخر، يعترف الإنسان له كما يعترف أمام ماهيته الخاصة، ويعبر أمامه عن أفكاره الخاصة التي يخجل عن التعبير عنها أمام الناس. الصلاة هي التماثل بين الذاتي والموضوعي. الصلاة هي صلة القلب الإنساني مع ذاته وفيها ينسى الإنسان أن هناك حدودا لرغباته، ويعيش في سعادة بنسيانه هذه الحدود. الصلاة هي قسمة الإنسان لذاته إلى قسمين، انقلاب الإنسان على ذاته، وعلى قلبه. والكلمة اللاتينية
Oratio
تعني ما يئن القلب بحمله. في الصلاة يعبد الإنسان قلبه الخاص. (12)
سر الإيمان، سر المعجزة:
الإيمان هو اليقين بالواقع أي بالشرعية وبالحقيقة غير المشروطة للذات في مقابل حدودها أي قوانين الطبيعة والعقل. موضوع الإيمان هو المعجزة، والإيمان هو الإيمان بالمعجزة، وما هو موضوعي معجزة هو ذاتي إيمانا. المعجزة هي الواجهة الخارجية للإيمان، والإيمان هو الروح الباطني للمعجزة. الإيمان معجزة الروح، معجزة العاطفة التي تتموضع في أن لا شيء يستحيل على الإيمان. والمعجزة هي التي تثبت استحالة هذه الاستحالة. لا يوجد شك في الإيمان؛ ولذلك يتحول الذاتي من خلاله إلى موضوعي، والنسبي إلى مطلق. ليس الإيمان إلا الإيمان بألوهية الإنسان، والشجاعة على كشف ذلك. الإيمان هو يقين الإنسان بذاته. يقين الإنسان الذي لا شك فيه بأن وجوده الذاتي النسبي هو وجوده الموضوعي المطلق. لا توجد حدود للإيمان؛ فالإيمان هو الذاتية المتحررة من حدودها، ولكن بقدر ما يرتفع الإيمان يسقط العالم. الإيمان إذن سقوط فعلي للعالم. ليست المعجزة الأرضية خارقة للعادة قد تحققت، هو نشاط نمائي من أجل عظمة الله. إن فعل المعجزة ليس فعل فكر لأنها نفي للفكر، وليس فعلا حسيا طالما أن المسيحية الحقيقية موجودة وخالية من النفاق والزيف والمساومة. الإيمان بالمعجزات في نهاية الأمر إيمان ميت - والمسيحية دين حي - لأنه إيمان بالتاريخ والأشخاص والواقع، وهو التاريخ الميت، ويكون ذلك خطوة لعدم الإيمان. لا يكفي إذن تفسير المعجزة بالعاطفة والخيال دون الكشف عن أساسها في الإيمان، فالإيمان لا يكون إيمانا إلا بالمعجزات. (13)
سر البعث والولادة الخارقة للطبيعة:
لقد تحولت المعجزات إلى عقائد ولم تصبح فقط مجرد حوادث. فمثلا نجد سر البعث في الرغبة في عدم الموت، وفي غريزة حب البقاء. هذه الرغبة الذاتية تتحول إلى رغبة موضوعية، الرغبة في الأمل. والعقل غير قادر على تحقيق هذه الرغبة. فكل البراهين على الخلود غير كافية. والعقل غير قادر على معرفتها أو البرهنة عليها. العقل لا يعرف إلا البراهين المجردة العامة ولا يمكن إعطاء يقين خاص شخصي. وبعث المسيح هو يقين الإنسان بخلوده بعد الموت، الخلود الشخصي. وأصبح إنكار البعث جريمة في المسيحية. فمن ينكر البعث ينكر بعث المسيح ومن ينكر بعث المسيح ينكر المسيح، ومن ينكر المسيح ينكر الله؛ وبالتالي يتحول الدين المسيحي الروحي إلى دين بلا روح. بل إن الوثنيين استطاعوا الوصول إلى خلود الروح أو النفس ولكن على نحو مجرد لا يكفي المسيحيين. ويضم التاريخ المقدس أيضا الولادة المعجزة، فكلما كان الإنسان غريبا على الطبيعة كانت رؤيته أيضا كذلك. الإنسان الذاتي يعارض قوانين الطبيعة، ويجعل نفسه مقياسا لكل شيء ولما يجب أن يكون. فالأم العذراء ووليدها بين ذراعيها صورة تعجبه، والعذرية تصوره الخلقي الأسمى. ولما كانت العذرية والأمومة متناقضتين فقد أصبحت الولادة المعجزة في قلب المسيحي مأساة ومضمونا للإيمان. يحول المسيحي والفيلسوف الولادة والموت إلى موضوعين صوريين. أما الإنسان الحر فيعترف بهما كصورة طبيعية في حدود الطبيعة وطبقا لقانون الطبيعة في مقابل الخطيئة. وبينما يعظم الكاثوليك هذه العقيدة ويعتبرونها أساسا للحياة وللإخلاص، يقلل البروتستانت من أهميتها ويقيمون الأخلاق على العقل أو القلب؛ ومن ثم فرفض العقيدة فيما بعد كما هو واضح من الخطاب الموجه إلى القديس برنارد الذي يرفضها ليست فقط رأيا لمدرسة بل هو أساس للأخلاق. (14)
سر المسيح أو الله الشخصي:
إن العقائد الأساسية في المسيحية هي رغبات للقلب يتم تحقيقها، فجوهر المسيحية هو جوهر العاطفة. والسلب يتفق مع العاطفة أكثر من العمل، وأن يتم الإنقاذ بواسطة آخر وليس بواسطة الذات، وأن يتوقف الخلاص على الآخر وليس على الذات، وأن يحب بدل أن يصارع، وأن يكون محبوبا من الله أكثر من كونه محبوبا من نفسه. فالعاطفة هي الأنا كمفعول به. لقد وصل فشته إلى النتيجة نفسها ولكن أنا فشته ليس بها عاطفة لأن المفعول به هو الفاعل ولا يمكن تعريفه. العاطفة تقلب الفاعل إلى مفعول، والموجب إلى سالب؛ لذلك تكون السعادة في الحلم، والحلم على الضد من الشعور اليقظ، عند الحالم يكون الفاعل سالبا والسالب فاعلا. الحلم هو مفتاح أسرار الدين. والقانون الأسمى للعاطفة هو الوحدة المباشرة بين الإرادة والفعل، بين الرغبة والواقع. والمخلص وحده هو الذي يحقق هذا القانون. لقد تحدث الفلاسفة جميعا عن التوسط كعامل مهدئ للشعور المتوتر. فاللوجوس عند فيلون معلق في الهواء بين السماء والأرض، مرة كموجود فكري، ومرة كموجود واقعي. ظل فيلون متأرجحا بين الفلسفة والدين، ولكن في المسيحية تجسد هذا اللوجوس؛ وبالتالي تحول الدين نحو الموضوع. الله مخبأ ولكن المسيح كشف عنه. وفي المسيح تكون العاطفة على يقين من ذاتها. وتنفرد المسيحية بذلك لأن التجسد لم يكن له أية دلالة خاصة عند الشرقيين وبخاصة الهنود. المسيحية وحدها هي التي جعلت إنسانية الله شخصيته، فالله موجود شخصي واقعي فالله إنسان. الرغبة ضرورة العاطفة، والعاطفة تريد إلها شخصيا، وهذه الرغبة لا تكون حقيقة إلا إذا كانت رغبة شخص. وآلام المسيح هي اليقين الأسمى، اللذة الذاتية القصوى، العزاء الأقصى للعاطفة لأنه في دم المسيح تنطفئ الرغبة في الإله الشخصي. (15)
Página desconocida