Estudios Filosóficos (Parte II): En la Filosofía Occidental Moderna y Contemporánea
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Géneros
وربما ما بقي من الفلسفة المسيحية هو الجانب الإنساني فيها الذي يتلخص في عقيدة الله - الإنسان. وربما ما بقي منها هو أريوس وأوغسطين. أي الإنسان والتجربة الحية. وربما كان أكثر الموضوعات حيوية في العصر الوسيط هو العقل والنفس والاتصال والخلود والمعاد، أي الجوانب الإنسانية في الفلسفة، وكان نصرا فعليا يوم بدأت العصور الحديثة في القرن السادس عشر بالمذهب الإنساني عند «اراسم» حيث ظهر الإنسان محور الكون. وكان البحث في البدن بداية للتعرف على الإنسان الحي في مواجهة كل ما هو غير إنساني في السلطة أو في العقائد أو في المناهج. وكان تتويج هذا النصر وبداية الوعي الأوروبي «الكوجيتو» عند ديكارت حيث أصبحت الفلسفة مرادفة للوعي الأوروبي واعيا ذاته والإنسانية معه، وأصبحت المثالية الترنسندنتالية بعده تطويرا للكوجيتو الديكارتي، وتأكد الإنسان محورا للكون في الثورة «الكوبرنيقية»: الذات في المركز والعالم يدور حولها. ثم تحولت الذات إلى روح، والروح إلى تاريخ على يد هيجل حتى أصبح الوعي الفردي مرادفا للوعي الحضاري، وأصبح الإنسان هو الإنسانية كلها. وكانت فلسفة التنوير قبل ذلك قد ربطت الفلسفة بالعلوم الاجتماعية، وخرجت من دوائر المتخصصين والمهنيين في صياغات البراهين على وجود الله وخلق العالم وخلود النفس، بل تجاوزتها إلى وضع الإنسان في المجتمع والتاريخ وفي أنظمة الحكم والمذاهب السياسية. ثم أتى الكانطيون للتأكيد على الإنسان كما هو الحال عند نيتشه ولكشف الشيء في ذاته واعتباره إرادة الإنسان عند شوبنهور. كما استمر الكانطيون الجدد في هذا التوجه الإنساني والانتقال من «الأنا أفكر» إلى الاجتماع والسياسة والأخلاق والقانون. وازدهرت الفلسفة أخيرا في مدرسة فرانكفورت، واستطاعت أن تتحد بالعلوم الإنسانية خاصة علم الاجتماع وأن تصوغه كفلسفة، وأن تصوغ الفلسفة كعلم اجتماع سواء في السياسة أو في الاجتماع أو في الفن أو في الحضارة. بل إن الوجوديين أنفسهم ربطوا بين الفلسفة والعلوم الاجتماعية والتاريخية. فارتبط سارتر بالسياسة والتاريخ وعلم النفس. كما ارتبط ميرلو بونتي بعلم النفس وعلم الأحياء والعلوم السياسية. كما كانت بدايات ياسبرز علم الأمراض النفسية والعام، بل إنه لا يوجد أي فرق الآن بين الفلسفة والعلوم الإنسانية في أهم التيارات الفلسفية العلمية المعاصرة وهي الماركسية والفرويدية والبنيوية.
6
ثم قام الوعي الأوروبي بحركة ارتدادية للكشف عن الجوانب الإنسانية في اللاهوت وفي الطبيعة على السواء. فإذا كانت موضوعات الفلسفة ثلاثة: الله والطبيعة والإنسان، وأن الفلسفة إما إلهية أو طبيعية أو إنسانية، فقد كشف الوعي الأوروبي أن الفلسفتين الإلهية والطبيعية هما في حقيقة الأمر فلسفة إنسانية، مرة مغتربة إلى أعلى ومرة أخرى مغتربة إلى أسفل، وكلتاهما خارج المنظور الإنساني، مرة فوقه ومرة تحته. فقد كشف فيورباخ خاصة «أن كل علم لاهوت هو علم إنسان مقلوب» وأن كل ما قيل في أوصاف الله وصفاته هو في حقيقة الأمر أوصاف وصفات إنسانية قذف بها الإنسان خارجا عنه نتيجة لاغترابه في العالم. كما كشف هوسرل أن العلوم الطبيعية ذاتها بناء إنساني وأن العلم هو في الكشف عن البناء الشعوري للعلم في مرحلة ما قبل الفهم. فإذا كان الوعي الأوروبي قد بدأ بالكوجيتو فإنه يكون قد انتهى بالكوجيتاتوم
Cogitatum
فيصبح الإنسان هو الأنا أفكر وهو موضوع التفكير في آن واحد.
7
وقد حدث الشيء نفسه في تراثنا القديم عندما ارتبطت الفلسفة بالعلوم الإنسانية وبالموسيقى عند الكندي والفارابي، وبعلوم الأخلاق والسياسة عند الفارابي، وبالتشريع عند ابن رشد. بل إنها ارتبطت أيضا بعلوم الحياة مثل الطب والتشريح والنبات والصيدلة. وقد وضح ذلك بصورة خاصة في «رسائل إخوان الصفا» حيث أضيف جزء أخير عن «النفسانيات» على التقسيم الثلاثي التقليدي، المنطق والطبيعيات والإلهيات. ومع ذلك ما زلنا لم نصل بعد إلى الكشف عن الإنسان في تراثنا القديم وراء الإلهيات والطبيعيات، وأن نبدأ الوعي الحضاري الجديد ابتداء من الوعي الذاتي حتى تحيا الفلسفة من جديد.
8
تاسعا: الفلسفة والتاريخ
لقد ارتبطت الفلسفة بالتاريخ ليس فقط من حيث هو تاريخ الفلسفة أي رصد تاريخ الفكر البشري وتقلباته بل من حيث هو فلسفة التاريخ؛ أي التفكير في تطور التاريخ وحركته ومحاولة البحث عن قانون يحكم هذا التطور ويصف هذه الحركة. بل إن تاريخ الفلسفة ذاته ليس رصدا ميتا للمذاهب والنظريات الفلسفية عبر التاريخ دون رجوع إلى ظروفها التاريخية وتعبيرها عن روح العصر، بل هي معرفة التجارب البشرية الفردية والاجتماعية والتاريخية التي خرجت منها هذه الفلسفات. تاريخ الفلسفة هو تاريخ الروح البشري في مواجهة الواقع وعبر التاريخ؛ لذلك كان هناك نوعان من تاريخ الفلسفة؛ الأول هو الرصد الكمي لتاريخ الأفكار بلا منظور أو قانون أو دلالة؛ والثاني محاولة الدخول في أعماق التاريخ والذهاب إلى ما وراء الأفكار لمعرفة دلالاتها على عصورها وظروف نشأتها والتجارب الحية التي وراءها، وصلتها بالمرحلة التي قبلها وتمهيدها للمرحلة التي بعدها. الأول موت للفلسفة، والثاني حياة لها. لقد كانت الفلسفة ابنة عصرها تعبر عن أزمة العصر وتحاول إعطاء حلول تعبر أيضا عن تصور العصر وتجاوزه إلى ما بعده. نشأت الفلسفة في التاريخ، وخرجت من موقف ولكن ضاعت على أيدي أساتذة الفلسفة ومحترفيها واجتثوها من الجذور، وعرضوها كطائر في الهواء لا مستقر له ولا مكان. الصلة بين الفلسفة والتاريخ واضحة بذاتها. وعليها يتوقف موتها أو حياتها. إذا ما ارتبطت الفلسفة بالتاريخ تنمو وتزدهر وتحيا. وإذا انفصلت عن التاريخ تخبو وتتقلص وتموت.
Página desconocida