Religión Humana
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Géneros
ونظرا لثقته المطلقة بالطبيعة الخيرة للإنسان، فقد بشر بإمكانية الجميع على تربية الخصال الحميدة في نفوسهم واكتسابها بالتعلم الذي يكشف عما في النفس من خير؛ الأمر الذي يقود إلى قمة التوازن مع الذات، فمن هو طيب حقا لن يشعر بالتعاسة أبدا. يقول «هناك خمسة واجبات شمولية يجري القيام بها وفق ثلاث خصال أخلاقية ... بعض الناس يولدون ومعهم معرفة تلك الخصال الأخلاقية، وبعضهم يتعلمها بالتربية، والبعض الآخر بالتعرض للتجارب القاسية.»
13
وبذلك يلتقي فكر كونفوشيوس الأخلاقي العملي مع فكر سقراط؛ فالإنسان بطبعه خير عند سقراط، والمعرفة هي التي تقود إلى السلوك الأخلاقي؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يرتكب الشر وهو عارف به، ويستتبع هذا أن الفضيلة يمكن اكتسابها بالتعلم ودونما توجيه خارجي أو ضغط من سلطة عليا. أما أفلاطون فيرى في الكون نظاما أخلاقيا؛ فعلى قمة هرم «المثل» الخالدة يتربع مثال «الخير»، وكل الأشياء تنزع إلى الغاية الخيرة، رغم أن طابعها الحسي يجعلها عاجزة عن بلوغ الخير. ويرى أرسطو أن غاية الحياة البشرية هي سعادة النفس العاقلة، وهذه لا تتأتى إلا عن طريق حياة عقلية نشطة، تزينها الفضيلة التي هي أساس السعادة. وبعد أرسطو، قام الاتجاهان الرئيسيان في الفلسفة اليونانية على فكر أخلاقي بالدرجة الأولى؛ فأبيقور لم يرفض فكرة وجود الآلهة، ولكنه رأى أن وجودها لا يزيد حياة الإنسان خيرا أو شرا؛ لأنها لا تكترث بمشكلات البشر ولا تفرض ثوابا أو عقابا؛ ولذا فعلى الإنسان أن يعمل ليصل حالة من التوازن الكامل عن طريق الحرص والاعتدال، وهذا التوازن هو أرفع اللذات التي يسعى الإنسان بطبيعته الفطرية إليها، وهو الخير الأسمى. أما الرواقية، فقد اهتمت بمسألة الجبر والاختيار والحرية الإنسانية، وحثت أتباعها على العيش وفق قانون أخلاقي صارم من شأنه جعل الفرد في وحدة مع العالم ومع الفاعلية الإلهية المتخللة في الكون. والقانون الأخلاقي عندهم ليس لوائح سلوك تمليها قوة عليا، بل قواعد يمكن اكتشافها بالعكوف على الذات والانصراف عن الأهواء الدنيوية والملذات الحسية.
الباب الثالث
الأشكال الاجتماعية للدين ومستوياته الشمولية
الفصل الأول
من العبادة إلى الدين الشمولي
لقد توصلنا في القسم الأول من دراستنا هذه إلى القول بأن الدين هو: «التعبير الجمعي عن الخبرة الدينية الفردية، وقد تم ترشيدها في قوالب فكرية وطقسية وأدبية ثابتة.» ثم وجدنا في القسم الثاني أن هذا التبدي الجمعي للظاهرة الدينية يتكون من معتقد وطقس وأسطورة، هي عناصره الرئيسية، ومن أخلاق وشرائع، وهي عناصر ثانوية تتصل بالدين في سياقه التاريخي دون أن تكون من صلبه. وقد فصلنا في شرح هذه المكونات بما يكفي حاجة بحثنا وأهدافه. وأما الآن، فسوف ننتقل إلى توضيح وشرح ثلاثة أشكال رئيسية للحياة الدينية في المجتمعات الإنسانية، وهي الأشكال التي تنجم عن مدى انتشار عقيدة دينية ما، وشمولها لعدد قليل أو كثير من الجماعات البشرية.
إن الدين الذي يؤمن به شعب بأكمله، بكل قبائله وعشائره، وفي جميع المناطق التي يقيم عليها هذا الشعب، أو ذلك الدين الذي تؤمن به شعوب متعددة التركيب العرقي ومناطق الانتشار الجغرافي، هو ظاهرة جديدة في تاريخ الدين والحضارة. فالأصل في الدين معتقد بسيط تتركز حوله مجموعة من الطقوس والأساطير الخاصة بجماعة معينة من الناس (عشيرة أو قبيلة، أو شريحة اجتماعية). مثل هذا الشكل المحدود للحياة الدينية يدعى عادة بالعبادة (=
Cult ). ويتطابق مفهوم الدين مع مفهوم العبادة لدى جماعة صغيرة شبه منعزلة؛ فإذا اجتمع لشعب من الشعوب عدد من العبادات المتقاربة، التي يختص كل منها بجماعة من جماعاته، أسمينا شكل الحياة الدينية هنا دينا، وأسمينا الشكل الفرعي عبادة، وسأوضح ذلك بالأمثلة فيما يلي.
Página desconocida