Religión Humana
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Géneros
إلى جانب هذه المكونات، التي أصفها بالأساسية، هناك مكونات ثانوية لا تلعب دورا أساسيا في تكوين الدين، وإنما تظهر كعوامل مساعدة، وضمن سياقات تاريخية واجتماعية معينة، وهي: الأخلاق والتشريع.
الفصل الثاني
المكونات الثانوية للدين
الأخلاق والشرائع
عندما نتحدث عن المكونات الثانوية للدين في مقابل مكوناته الأساسية، فإننا لا نقصد بصفة الثانوية هذه التقليل من شأنها على أي صعيد، بل إلى وصف دورها في عملية تكوين الدين ودرجة أولويتها في التعرف على الظاهرة الدينية. ففي السياقات التاريخية لأديان الإنسان وضمن ظروف اجتماعية وسياسية معينة، تأتي إلى الدين عناصر لم تكن منه ابتداء، ولم يكن لها شأن في تأصيل بداياته الأولى ، وهذه هي: الأخلاق والشرائع.
رغم التشابك المتين بين الدين والأخلاق، والعلاقة الموغلة في القدم بينهما، فإنهما من حيث المبدأ مفهومان مختلفان تمام الاختلاف، ومتمايزان كل التمايز، رغم ما يبدو من صلتهما الوطيدة؛ فالدين عبارة عن معتقدات وممارسات تنظم سلوك الإنسان تجاه عالم المقدسات وتزوده برؤيا شمولية للكون وموضع الإنسان في هذا العالم. أما الأخلاق فإنها قواعد وممارسات تنظم سلوك الأفراد بعضهم تجاه بعض وتجاه الجماعة التي يشكلون أعضاءها، وهي تنشأ بشكل خاص لحل المشكلات الناجمة عن التنافس بين الأفراد والمجموعات، فتعمل على تسوية المنازعات التي تخلقها الحياة المشتركة. فالأخلاق والحالة هذه هي بديل عملي وناجح لأسلوب القوة والإكراه في العلاقات الاجتماعية، وتختلف عنها في أنها ترجع إلى مبادئ للسلوك متفق عليها ومقبولة من قبل الجميع. إلا أن العلاقة المعقدة بين الدين والأخلاق تبدأ عندما تتعلق المشروعية الخلقية بمؤيدات تنبع عن المعتقد الديني المشترك، بدل أن تتعلق بالفهم السليم للعلاقات الإنسانية المتبادلة.
إن علاقة الأخلاق بالدين في المجتمعات التقليدية التي لم تتعقد بناها الاجتماعية والسياسية، تقدم لنا برهانا على أن الأصل في الأخلاق استقلالها عن الدين. ففي هذه المجتمعات التي تعطينا صورة عن المراحل المبكرة من تطور الحضارات الكبرى، نجد في الأخلاق شأنا دنيويا تنظمه الأعراف السائدة دونما مؤيد من قوة قدسية ما. ففي أفريقيا السوداء على سبيل المثال،
1
تقوم الأخلاق في المجتمعات الزنجية كشأن ملحق بالتنظيم الاجتماعي دونما رابط يلحقها بالدين أو مؤيد يأتي من قبل الآلهة. والمفهوم الذي صنعه الأفريقيون لأنفسهم عن الله مختلف تماما عن المفاهيم السائدة في أكثر الحضارات الكبرى، فهم لا يرون فيه صانعا للأخلاق، ولا يعتبرونه الخير المحض في مقابل الشر؛ ولذا فإنه لا يجزي ولا يعاقب ولا يمتلك مفاتيح جنة أو نار. أما قواعد السلوك الاجتماعي فتنص عليها المواضعات الاجتماعية المؤيدة بسلطة الجدود الأموات، ممن تسهر أرواحهم على دوام تطبيق الأوامر والنواهي المتعارف عليها منذ القدم. ويتبع ذلك أن الهدف من الطقوس الدينية بالنسبة للزنجي هو تحقيق حياة أفضل في هذا العالم. وبما أن مفهوم الخطيئة باعتبارها تعديا على حرمة قانون إلهي مفروض، غير معروف لدى هذه المجتمعات ، فإن المعاصي عندهم يمكن غسلها تماما بواسطة طقوس مخصصة لهذه الغاية؛ ذلك أن الخير والشر كصفتين غير معروفة هنا، والرجل الذي اقترف إثما ليس إنسانا شريرا بالضرورة، وهو لا يستحق أي لوم ما إن يقوم بغسل ذنبه.
إلا أننا نستطيع العثور لدى المجتمعات التقليدية
Página desconocida