Religión Humana
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Géneros
10
ثم عمدت جين هاريسون إلى تطبيق أفكار دوركهايم بشكل واسع على علاقة الأشكال الأولية للدين الإغريقي بالسحر، وذلك في كتابها المعروف عن الأصول المجتمعية للدين الإغريقي الصادر عام 1912م.
11
وقد مهد هؤلاء البحاثة إلى إعادة نظر شاملة في مؤسسة السحر قديما وحديثا.
ولتبيان مدى بساطة الطقس السحري، يمكن الاستعانة بمثال كلاسيكي يتعلق بطقس إنزال المطر؛ فمن وظائف ساحر القبيلة، في الثقافات التقليدية المعاصرة، التحكم بالمطر بواسطة طقوس تقوم في بعضها على تقليد هطول المطر، وذلك برش الماء وإحداث أصوات تشبه الرعد وفق حركات معينة مدروسة وباستخدام أدوات خاصة، ومن المفترض عند ذلك أن تستجيب الطبيعة بإرسال المطر.
12
وفي أماكن متفرقة من العالم اليوم، هنالك طقس سحري للغرض نفسه يقوم على تقليد صوت المطر عن طريق هز أداة إيقاعية قوامها نبتة قرع من النوع المنتفخ الرأس والمستدق الطرف، وذلك بعد تجفيفها تحت الشمس حتى يفرغ داخلها، وتتحرك بذورها بحرية لإحداث الصوت المطلوب. ويبدو أن مثل هذه الممارسة كانت معروفة في بلاد اليونان في القرن الثامن ق.م. كما تدلنا على ذلك بعض الرسوم على الفخار.
13
فإذا قارنا مثل هذا الطقس السحري بطقوس الخصب في الديانات ذات المعتقدات والأساطير الغنية والمركبة، أدركنا مدى بساطة الفكرة الكامنة وراءه؛ فالساحر هنا لا يقرب الذبائح إلى الآلهة، ولا يصلي لها، ولا يقود دراما طقسية معقدة لإحلال الخصب، وإنما يقوم بالتأثير على مظاهر الطبيعة من خلال تلك القوة الغفلة التي تسري في كل شيء، والتي من شأنها تحويل الإجراء الطقسي الذي يجري في هذا الجانب إلى فعل حقيقي يتم في الجانب الآخر.
إن ما قدمته حتى الآن من أفكار وملاحظات حول الأثر الذي تمارسه الأسطورة على الطقس، لا يقصد إلى إعطاء أسبقية لهذه على ذاك؛ فكما تقوم الأسطورة بإغناء الطقس، فإن هذا بدوره يعمل على تثبيت الأسطورة في الأذهان والنفوس، خصوصا في الطقوس الدورية الكبرى التي تشكل المعادل الدرامي الحركي والمنظور للنص الأسطوري، ومثالها الكلاسيكي أعياد رأس السنة في بلاد الرافدين، حيث يجري تمثيل أسطورة التكوين البابلية اعتمادا على نص درامي موضوع خصوصا لهذه الغاية، وتقوم أحداثه على النص التقليدي المعروف. إلا أن فريقا من الباحثين ممن أقبل على دراسة الدين والأسطورة مع بداية هذا القرن، وفق منظور متأثر بالمعطيات الجديدة لعلم الأنتروبولوجيا الناشئ قد أسس لاتجاه أحادي النظرة يرى في الأسطورة ناتجا من نواتج الطقس. من هؤلاء البحاثة مجموعة صغيرة عرفت يومها باسم «مجموعة كابريدج»، وكانت شديدة التأثير في الحلقات الأكاديمية، وما زال فكرها يتمتع حتى اليوم ببعض المؤيدين. من بين أولئك الرواد نذكر جين هاريسون
Página desconocida