Religión Humana
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Géneros
ومع اكتشاف هذه الجسيمات، اكتشف الفيزيائيون أن لكل جسيم نظيرا يشبهه تماما ولكنه يختلف عنه في الشحنة، وقد دعيت هذه الجسيمات بالجسيمات المضادة. فإذا اجتمع جسيم ونقيضه تفانيا فورا، وذلك كالتقاء إلكترون بنقيضه المدعو بوزيترون؛ فمثل هذا اللقاء يؤدي إلى فنائهما فورا في ومضة ضوء، وينشأ عنهما فوتونان ينطلقان بسرعة الضوء. إن مادة عالمنا المرئي مؤلفة من الجسيمات الاعتيادية، ولكن الفيزيائيين يعتقدون بوجود مادة نقيضة في أرجاء الكون مؤلفة من جسيمات نقيضة.
لقد قلنا سابقا بأن المادة كلها في عالمنا تؤلفها الذرات، وهذه الذرات تؤلفها البروتونات والنيترونات والإلكترونات. أما الجسيم الرابع في عالمنا فهو الفوتون، وحدة الضوء المادية العديمة الكتلة. إن ثلاثة من هذه الجسيمات الرئيسية تتمتع بوضع مستقر ؛ أي إنها تعيش إلى الأبد إن لم تدخل في عملية تصادم، وهي البروتون والإلكترون والفوتون. أما النيترون فيتحلل بشكل تلقائي فيما يدعى بعملية تحلل بيتا، وهي العملية المميزة لبعض أنماط النشاط الإشعاعي. ففي هذه العملية الإشعاعية يتحول النيترون إلى بروتون، مع تخليق إلكترون من العدم وجسيم آخر عديم الكتلة يدعى نيترينو. ويؤدي تحول نيترونات بعض المواد المشعة إلى بروتونات، إلى تغيير في ذراتها؛ وبالتالي تحويلها إلى عناصر أخرى. ويتميز هذا الجسيم المدعو نيترينو بالاستقرار أيضا، مثله مثل الجسيمات الثلاثة الآنفة الذكر. أما بقية الجسيمات التي تم التعرف عليها حتى الآن، فغير مستقرة، ولا تعيش أكثر من جزء من مليون جزء من الثانية كما ذكرنا منذ قليل، فهي إما أن تتلاشى، أو تدخل سلسلة من التحولات تؤدي بها في النهاية إلى حالة مستقرة، وذلك بتحولها مجددا إلى بروتون أو إلكترون أو فوتون. إن دراسة الجسيمات غير المستقرة عمل مكلف وعلى غاية من التعقيد؛ لأنه يتطلب دوما استخدام تقنية التصادمات في المسارعات النووية.
وفي الواقع، فإن التصادمات ليست وحدها المسئولة عن تخليق الجسيمات الجديدة، وعن تحول الجسيمات بعضها إلى بعض؛ فمثل هذه التحولات تحدث بصورة دائمة في العالم الصغري ودونما توقف، بل إنها قانون ذلك العالم. إن الإلكترونات السابحة في مداراتها حول النواة تطلق فوتونات ضوء لا تكاد تتخلق حتى تعود الإلكترونات إلى ابتلاعها، لكي تعود ثانية إلى إطلاق غيرها، وهكذا دونما توقف. وهذه الفوتونات التي تطلقها الإلكترونات في داخل الذرة ليست فوتونات أصيلة؛ لأن الفوتون الأصيل ما إن يولد حتى يطير مبتعدا بسرعة الضوء، أما هذه ففوتونات «كسيحة»
14
لا تتمتع بكل خصائص الفوتون، ولا تستطيع تمثيل دور الموجة الضوئية المرتحلة في الفضاء. وتحدث عملية لفظ الإلكترون للفوتون وإعادة ابتلاعه من جديد، في ومضة زمنية خاطفة لا تتعدى 10 −15
من الثانية.
كما تقوم مكونات النواة، من بروتونات ونيترونات، بتفاعل مع نفسها مشابه لتفاعل الإلكترون مع نفسه؛ فالبروتون يطلق جسيما اسمه البيون، ثم يعيد ابتلاعه قبل أن يستكمل قوته ليصير بيونا أصيلا. وبما أن كل البروتونات متشابهة، فإننا نستطيع الافتراض بأن البروتون في تفاعله مع نفسه قد فني، مصدرا بروتونا آخر وبيونا، منتهكا بذلك قانون انحفاظ الطاقة؛ لأن كتلة الجسيمين الجديدين أكبر من كتلة الجسيم الأول الذي صدرا عنه (انظر المخطط أدناه)، هذا الانتهاك لقانون انحفاظ الطاقة ممكن في حالة واحدة فقط، وهي أن يحصل التفاعل في لحظة تبلغ من القصر حدا لا يسمح للقانون بالانتباه إليها، ويحسب هذا الزمن وفق إحدى معادلات مبدأ اللاتعيين لهايزنبرغ.
وهكذا يتوجب على الجسيمين الجديدين أن يفنيا في ومضة لا حساب لها في سير الزمن، وأن يخلقا بفنائهما بروتونا جديدا واحدا. وهذه عملية دائبة تستمر إلى ما لا نهاية. وهنالك نوع آخر لتفاعل البروتون مع نفسه؛ فبدلا من أن يطلق بيونا حيادي الشحنة، كما في الحالة الأولى أعلاه، فإنه يطلق بيونا موجبا ثم يتحول هو نفسه إلى نيترون. أو بافتراض آخر، فإن البروتون يفنى مصدرا بيونا موجبا ونيترونا (انظر المخطط أدناه). ومرة أخرى، وضمن الوقت الذي يتيحه مبدأ اللاتعيين، يفنى الجسيمان الجديدان لكي يخلقا بروتونا واحدا مكانهما.
وهكذا يمكننا تصور البروتون والنيترون داخل النواة، وكل منهما مغلف بسحابة من البيونات الكسيحة، التي ما إن تخلق من الفراغ حتى تعود إليه. ولكن إذا اقتربت سحابتان لبروتون ونيترون من بعضهما كثيرا، فإن البيون الذي يطلقه البروتون يلتقطه النيترون، ويؤدي هذا التبادل إلى أن يتحول البروتون إلى نيترون، والنيترون إلى بروتون وفق المخطط أدناه. وهذا ما يؤدي إلى ربط هذين الجسيمين النوويين بقوة هائلة يدعوها الفيزيائيون بالقوة الفائقة، وهي أعظم قوى الطبيعة قاطبة. وهذا يعني أن القوة، أية قوة في الطبيعة، ما هي إلا عملية جارية لتبادل جسيمات كسيحة بين جسيمات أصيلة، وأن القوة والمادة هما، مرة أخرى، وجهان لحقيقة واحدة.
تدعى أمثال المخططات التي أوردناها أعلاه بمخططات فيينمان، نسبة إلى الفيزيائي الذي ابتكرها
Página desconocida