Religión Humana
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Géneros
Complementarity . والتكاملية مفهوم طوره نيلز بوهر، أصلا، من أجل تفسير الطبيعة المزدوجة للضوء؛ فقد رأى بوهر أن الخصيصة الموجية للضوء والخصيصة الحبيبية ضروريتان رغم تعرضهما من أجل فهم ظاهرة الضوء؛ لأن هاتين الخصيصتين ليستا في الواقع خصيصتين للضوء، بل إنهما خصيصتان لتداخلنا مع ظاهرة الضوء؛ فنحن نستطيع أن ندفع الضوء إلى إظهار هذه الخصيصة أو تلك باختيار التجربة المناسبة. فإذا أردنا إظهار الخصيصة الموجية قمنا بإجراء تجربة الشقين، وإذا أردنا إظهار الخصيصة الجسيمية أجرينا تجربة أينشتاين في الأثر الكهرضوئي. وهذا يعني أن المراقب الواعي هو صلة الوصل بين مظهري الضوء، وأنه بدون الوعي يبقى الضوء بدون خصائص محددة.
ولكن القول بحاجة الضوء إلى الوعي ليظهر خواصه، يقودنا إلى الاعتراف بأن الوعي الذي يتفاعل مع الضوء يحتاج بدوره إلى الضوء وإلى غيره لكي يتلمس خصائصه الذاتية. وفي هذا يقول بوهر: «إننا لا نستطيع أن نعزو الوجود الحقيقي المستقل، بالمفهوم الفيزيائي المعتاد، إلى الظاهرة المرصودة، ولا إلى القائم بالرصد أيضا؛
10
ذلك أن عالمنا الذي نعيش فيه لا يتألف من «أشياء»، بل من علائق وتفاعلات ، وأن الخصائص ليست من طبيعة ما يتمظهر على أنه «شيء»، بل من طبيعة الترابطات التي تتوسع في شبكة منسوجة بإحكام لتشمل الكون كله. وفي هذا يقول هايزنرغ: «إن العلوم الطبيعية لا تقوم بمجرد وصف وتفسير الطبيعة، بل هي جزء من ذلك التفاعل بيننا وبين الطبيعة.» ويقول أيضا: «إن ما نرصده ليس الطبيعة في ذاتها، بل الطبيعة كما تتبدى لطرائقنا في استجوابها.»
11
وبناء على ذلك فقد قدمت الفيزياء الكوانتية مفهوم المشارك لكي يحل محل مفهوم الراصد أو المراقب. وهناك بوادر منذ الآن على ضرورة تضمين الوعي الإنساني في أي وصف فيزيائي للعالم.
لقد ألهمت أمواج المادة الفيزيائي النمساوي إروين شرودينغر فكرة جديدة حول بنية الذرة؛ فبدلا من التصور المعتاد لإلكترونات حبيبية تدور حول نواة الذرة في مدارات تتوسع نحو الخارج، خرج شرودينغر بنظريته عن أمواج الاحتمال التي تحيط بالذرة في دوائر مغلقة متتابعة. فإذا قمنا بعملية الرصد للتحري عن الإلكترونات، وجدناها في مكان ما على هذه المدارات، إلا أننا لا نستطيع القول بأن هذه الإلكترونات تدور حول النواة بالمفهوم التقليدي للفيزياء النيوتونية. وبما أن المسار الذي تتحرك عليه موجات الاحتمال هذه هو مسار مغلق، فإن الأمواج المتشكلة على المدارات هي من النوع الذي ندعوه بالأمواج الواقفة. والأمواج الواقفة هي نمط موجي يظهر عندما تكون الأمواج محصورة في حيز محدود، لا يسمح للموجة بالتلاشي كما تتلاشى الموجات في المدى المفتوح، مثل الهواء الطلق والحيز المائي الواسع؛ ذلك أن الأمواج في الحيز المحصور تجبر على الارتداد على نفسها، مشكلة سلسلة مقابلة من الأمواج تعود نحو المصدر الذي يردها مجددا، وهكذا في حركة دائبة تؤدي إلى تكوين الموجة الواقفة بين نهايتي الحيز المحصور. ونحن نستطيع رؤية هذه الأمواج الواقفة بالعين إذا ربطنا نهاية حبل إلى الجدار، ثم شددنا النهاية الأخرى باليد، ورحنا نحرك الساعد بشدة صعودا وهبوطا، عند ذلك تظهر أمامنا موجات الحبل وكأنها واقفة رغم حركته، كما هو مبين في الشكل أدناه.
والشيء المهم الذي نلاحظه من هذا الشكل، هو أن الموجات تتوزع ضمن الحيز المغلق بشكل متساو لا يسمح بظهور أجزاء من الموجة، بل هناك على الدوام عدد تام من الموجات، فإذا زادت كانت وحدة الزيادة موجة واحدة لا نصف أو ربع موجة، وإذا نقصت فإنها تنقص بالطريقة ذاتها؛ فهي موجات كمومية تأتي دوما في دفقات. إن مثل هذه الحبال الموجية المؤلفة من عقد متصلة النهايات، هي التي تحيط بنواة الذرة وفق نظرية شرودينغر التي تم التأكد من نتائجها الرياضية تجريبيا. وبذلك حل التصور الجديد محل التصور القديم، وأعطى نتائج تجريبية عملية باهرة؛ فالذرة لم تعد نظاما شمسيا مصغرا، وبدل الجسيمات التي تدور حول النواة علينا الآن أن نتخيل أمواجا احتمالية مكان المدارات القديمة. فإذا قمنا بعملية الرصد، فإننا سنعثر على الإلكترون في مكان ما على الحبال الموجية، ولكننا لا نستطيع القول بأن الإلكترونات تدور حول النواة بالمفهوم الميكانيكي التقليدي. انظر الشكل أدناه:
غير أننا في محاولة التعرف على مضامين الفيزياء الحديثة، يجب أن نحذر من الاعتقاد بأن النظرية عندما تعطي نتائج عملية هي نظرية تصف «الحقيقة»، ويمكن تطبيقها على أوسع نطاق؛ فنظرية شرودينغر في أمواج الاحتمال والموجة الواقفة (أو الساكنة)، ومعادلاته الرياضية التي تم تطبيقها على أوسع نطاق، تخفق في فيزياء الجسيمات ذات الطاقة العالية، حيث يقوم الفيزيائيون باستخدام المسرعات النووية من أجل إحداث التصادم بين الجسيمات عن طريق شحنها بطاقات عالية جدا. والسبب في ذلك راجع إلى أن الجسيمات المتصادمة ونواتجها، إنما تتحرك بسرعات خيالية تقارب أحيانا سرعة الضوء؛ الأمر الذي يحتم علينا أن نأخذ بالحسبان مفاهيم النظرية النسبية، وهذا ما لم تفعله نظرية شرودينغر. إن أي نظرية فيزيائية تطمح اليوم إلى بعض الشمول أو كله، عليها أن تترك حيزا للقران بينها وبين النظرية النسبية.
بدأت فيزياء الجسيمات ذات الطاقة العالية كاستمرار للبحث القديم عن اللبنات الأساسية التي تتشكل منها المادة. ففي بداية هذا البحث عن مكونات المادة، اكتشف الفيزيائيون الذرة، ثم اكتشفوا بعد ذلك مكونات الذرة، وهي ثلاثة: البروتون والنيترون والإلكترون، فدعوها بالجسيمات الأولية. وبعدها بدأ السعي لاكتشاف المكونات التي تتألف منها هذه المكونات الثلاثة للذرة، وذلك باستخدام تقنيات التصادم العنيف بينها لغرض تفكيكها ومعرفة مكوناتها، بعد أن تأكد لهم أنها ليست أولية ولا بسيطة التركيب. ففي المسارعات النووية، يطلق جسيم التسديد (الذي يدعى بالقذيفة) في مسار دائري يؤمن شحنه بطاقة حركية عالية، قبل أن يترك متجها إلى حجرة التصادم المدعوة بحجرة الضباب. عند الدخول إلى حجرة الضباب الموضوعة ضمن حقل مغناطيسي، تنحرف الجسيمات ذات الشحنة الموجبة في اتجاه معاكس للجسيمات ذات الشحنة السالبة، وبناء على شدة هذا الانحراف يمكن حساب كتلة الجسم الذي يترك وراءه أثرا تلتقطه وسائل فوتوغرافية عالية التقنية، وهذا الأثر يشبه ذيل الأبخرة الذي تتركه وراءها الطائرات النفاثة.
Página desconocida