Religión Humana
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Géneros
لقد اكتشف بلانك أن الطاقة يتم استيعابها وإشعاعها على دفقات أو كموم، ولكن أينشتاين هو الذي أثبت بعد ذلك بخمس سنوات أن الطاقة نفسها تحدث على دفقات، وأننا لا نواجهها إلا في سلوكها الكمومي هذا. وقد استخدم أينشتاين تجربة بسيطة لإثبات نظريته، قوامها حزمة من الضوء يجري تسليطها على لوح معدني أملس. عندما يصطدم الضوء بالسطح المعدني، فإنه يتسبب في اقتلاع عدد من الإلكترونات التي تترك ذراتها وتتحرك طائرة في الهواء. ولا يمكن لهذه الظاهرة أن تحدث إذا كان الضوء عبارة عن موجة تتحرك في الأثير، كما كان الاعتقاد سائدا، بل لا بد أن يكون الضوء تيارا من حبيبات تندفع بطاقة معينة من شأنها اقتلاع الإلكترونات، كما يفعل حجر طائر في الهواء اصطدم بحائط وأدى إلى تفتيت بعض نثرات الملاط عند موضع الاصطدام وإطلاقها في الهواء. وقد دعيت هذه الظاهرة بالأثر الكهرضوئي
Effect ، ودعيت حبيبات الضوء بالفوتونات.
ثم قادت هذه التجربة أيضا إلى ملاحظة أن تخفيف شدة الضوء المسلط على السطح، لا يؤدي إلى تخفيف سرعة الإلكترونات المتطايرة نتيجة الصدم، بل إلى الإقلال من عددها فقط، وهذا يعني أن طاقة رزم الضوء الوارد إلى السطح لم تهبط بتخفيف شدته، وإنما قل عدد هذه الرزم مع احتفاظها بقوة الصدم ذاتها، أما تخفيف طاقة رزم الضوء الوارد إلى السطح، وهو الذي يدلنا عليه هبوط سرعة الإلكترونات المقتلعة، فيحدث نتيجة لتغيير لون يمتلك مقدارا من الطاقة يزيد أو يقل عن فوتونات اللون الآخر، بينما تتماثل كمية الطاقة في فوتونات اللون الواحد؛ وبذلك أكد أينشتاين ما كان بلانك قد اكتشفه سابقا من تناسب الطاقة طردا مع شدة توتر الضوء. فالضوء البنفسجي ذو التردد (= التوتر، الذبذبة) الأعلى في الطيف الشمسي، يتألف من فوتونات ذات طاقة أعلى من الضوء الأحمر ذي التردد الأدنى في الطيف . وهذه العلاقة البسيطة بين التردد والطاقة هي شأن مركزي في ميكانيك الكم.
ولكن المشكلة هنا أننا عندما نتحدث عن التردد، فإننا ننظر إلى الضوء باعتباره موجة لا جسيمات تتلاحق في تيار دافق. والفرق بين الموجة الطاقية وتيار الفوتونات يشبه الفرق بين موجة ماء على سطح البحر وسرب من الأسماك يسير تحتها في اتجاه واحد؛ فالموجة في أي وسيط مادي مثل الماء تبدو على الشكل الآتي:
فالتردد هو عدد الموجات التي تعبر نقطة معينة مثل س في ثانية واحدة؛ فإذا عبرت النقطة س عشر موجات في الثانية، قلنا إن تردد الموجة هو 10 دورات في الثانية، وإذا عبرتها مائة موجة قلنا إن ترددها هو مائة دورة في الثانية، وهكذا ... وكما نلاحظ من الشكل أعلاه، فإن للموجة طولا هو المسافة الفاصلة بين ذروتين متتاليتين، ولها ارتفاع هو علو الذروة عن محور الحركة. ومن التردد نستنتج السرعة؛ فسرعة الموجة هي عدد تردداتها مضروبا بطول الموجة. ولكننا بخصوص موجة الضوء لا نحتاج إلى إجراء مثل هذا الحساب؛ لأن لموجة الضوء سرعة ثابتة في الفضاء، وهي 300000كم في الثانية أو 186000 ميل في الثانية، كما أثبتت التجربة. فكيف يمكن للضوء أن يتبدى أحيانا كموجة وأحيانا أخرى كجسيمات يلاحق بعضها بعضا؟ إن الجسيم هو شيء ما يشغل حيزا معينا، أما الموجة فإنها انتشار في وسط ما لأثر طاقي معين. فنحن إذا رمينا حجرا في ماء ساكن، فإننا نلاحظ عددا من الأمواج يصدر عن مركز الصدم، يتوسع بشكل دائري حتى يتلاشى تماما. إن ما يحدث هنا هو أن الطاقة الحركية التي يحملها الحجر أثناء قذفه، قد انتشرت في الماء على هيئة أمواج ولد بعضها بعضا، دون أن يكون لدينا هنا أي جسم مادي يتحرك على محور الموجة، حتى الماء. فالماء الذي ينقل الموجة لا يتحرك معها دائما، بل يصعد ويهبط في مكانه دون أن يتقدم معها. من هنا فإن ما قد يعتقده البعض لأول وهلة، من إمكانية التوحيد بين ظاهرة الموجة وظاهرة الجسيم، بتخيل جسيم يسير على موجة، لا يتمتع بأساس علمي؛ فالجسيمات في الطبيعة لا تسير إلا في اتجاه مستقيم، وجزيئات الماء الذي تعبره الموجة لا تتحرك معها، بل تدور في مكانها لدى عبور الموجة، كما هو مبين أدناه.
إن ما يعرفه الجميع عن الضوء هو أنه ذو طبيعة موجية، وأنه يتشكل من موجات طاقة لا من رزم متقطعة تسير في الفضاء. وهذا أمر تدعمه التجربة، ولا يستطيع أحد أن يبرهن على عكسه، منذ أن قام توماس يونغ بتجربته المشهورة قبل أينشتاين بمائة عام، وأثبت من خلالها موجية الضوء. استفاد يونغ من مراقبته لسلوك الموجات المائية، ومن ظاهرة الحيود التي يمكن ملاحظتها في هذه الموجات، وهي الظاهرة التي سنتوقف عندها قليلا قبل أن نشرح تجربة يونغ نفسها.
تصور أنك تحلق في حوامة فوق حاجز لصد الأمواج أمام أحد الشواطئ، في هذا الحاجز فتحة تسمح بمرور سفينتين كل في اتجاه، والموج يصطدم بالحاجز ثم يرتد عنه. عندما ننعم النظر فيما يجري عند الفتحة، فإننا نلاحظ أن الموجات التي تصل إليها تجتازها إلى الطرف الثاني حتى تتلاشى في المياه الهادئة الواقعة خلف الحاجز، كما هو موضح في الشكل أدناه.
والآن إذا قمنا بإحداث فتحة أخرى في الحاجز أضيق من الأولى، لا تسمح بمرور أكثر من قارب عادي واحد، وعدنا إلى مراقبة سلوك الأمواج عند هذه الفتحة، فإننا سنلاحظ سلوكا مختلفا للأمواج الواصلة إليها؛ فبدلا من اجتياز الموجة للفتحة نحو الطرف الآخر، فإن اصطدامها بالحاجز عند الفتحة يؤدي إلى تشكيل موجات جديدة أصغر، تتوسع في حلقات حول الفتحة التي تتخذ مكان البؤرة، فيما يشبه الأثر الذي يحدثه سقوط حجر في ماء ساكن، كما هو موضح في الشكل أدناه. وهذا ما يدعى بالحيود
Diffraction . وتفسير ظاهرة الحيود هذه يكمن في مقارنة عرض الفرجة الجدارية بطول الموجة المتجهة نحوها؛ ففي الحالة الأولى كان عرض الفتحة أوسع من المسافة الفاصلة بين ذروتي موجتي جبهتين؛ الأمر الذي يسمح بمرور الأمواج إلى الجهة الأخرى؛ أما في الحالة الثانية فإن عرض الفتحة كان مساويا لطول الموجة أو أضيق من ذلك؛ الأمر الذي يؤدي إلى ظاهرة الحيود.
فإذا كان الضوء موجة، فإننا قادرون ولا ريب على ملاحظة حيود أمواجه عند مرورها عبر ثقب ضيق. وللتأكد من ذلك نستطيع أن نجري التجربة الآتية: نضع أمام منبع ضوئي حاجزا أحدثنا وسطه فتحة مربعة أبعادها بضعة سنتيمترات، فنجد أن الضوء يمر من خلال الفتحة ويرسم على الحائط المقابل شكلا مربعا مماثلا لمربع الفتحة، ذا حواف واضحة يتمايز عندها النور والظلمة، كما هو موضح في الشكل أدناه.
Página desconocida