Damasco, ciudad de magia y poesía
دمشق مدينة السحر والشعر
Géneros
مدح قنصل بريطانيا العظمى الإدارة المصرية في الشام بقوله: «لو طال الحكم المصري لاستعادت الشام قسما عظيما من وفرة سكانها القدماء، وأصابت شطرا كبيرا من الثورة التي كانت في الماضي وآثارها لم تزل ظاهرة للعيان في القرى والمدن العديدة، ولم يكد المصريون يطردون ويتقلص ظل سطوتهم، وقد كانوا أخضعوا الجميع لحكمهم الشديد، حتى عاد القوم إلى نبذ الطاعة، وخلفت الرشوة والتبذير في إدارة المالية النزاهة والاقتصاد، ومنيت المداخيل بالنقص، واستأنفت عرب البادية غاراتهم على السكان، فخلت القرى والمزارع المأهولة بالتدريج، حتى أمكن القول إنه لا يوجد ثم ظل للأمن على الحياة والأملاك، وكل شيء يدعو إلى عودة الفوضى إلى الديار».
وأهم ما وقع في القرن حادثة النصارى المعروفة بحادثة الستين سنة 1860م، وخلاصتها قيام رعاع المسلمين والدروز على نصارى دمشق وقتلهم ونهبهم، وإلقاء النار خمسة أيام في حيهم حتى خرب كله، وكانت هذه المذابح بدأت من قبل في لبنان، وهلك في دير القمر وزحلة ووادي التيم ألوف من النصارى بيد جيرانهم الدروز، جرى هذا في مدينة التسامح واللطف، فسود الأشقياء سمعة دمشق بعد أن عاش المواطنون قرونا في صفاء وولاء، وكانت لبعض الدول الغربية يد في إثارة نفوس النصارى من جهة، وإثارة الدروز من أخرى.
ويكاد المؤرخون يجمعون على أن الدولة هي التي دفعت الرعاع أو غضت الطرف عنهم، فارتكبوا ما ارتكبوا، وكان والي دمشق لما رأى أهل زحلة يجمعون جموعهم للغارة على الدروز، أرسل إليهم وفدا من دمشق لينصح لهم بالعدول عن فتح باب الشر، فقبل الدروز بمقترحه إلا أن الزحليين لم يقبلوا، وكان بعد ذلك ما كان من إثخان الدروز في جيرانهم النصارى في لبنان ووادي التيم، ثم سرت هذه الشرارة إلى دمشق وهلك فيها من النصارى 5500 مسيحي، وقدر بعضهم عدد القتلى في لبنان ودمشق باثني عشر ألفا، وهو عدد مبالغ فيه، وأرسلت الدولة على الأثر أحد عظماء رجالها فؤاد باشا لإطفاء الفتنة، وإرضاء الدول العظمى حامية النصارى في الشرق، فقتل من مسلمي دمشق 111 رجلا رشقا بالرصاص، وصلب 56، ونفى 145، وحكم بالأشغال الشاقة على 186، وكان في جملة من قتل 18 رجلا من كبار الأسر، وأرسل زهاء ألف رجل إلى المنفى والسجون خارج دمشق، وقتل الوالي أحمد باشا رميا بالرصاص؛ قالوا لتساهله في الفتنة، والحقيقة أنه نفذ أوامر الآستانة فخافت الدولة شيوع الخبر فقتلته، بعد أن أخذ فؤاد باشا أوراقه، وأخذت الحكومة تجبي المال للتعويض على المنكوبين، فجبت مئات الألوف من الليرات غرامة من أهل دمشق يبنون بها الحي الذي أصبح طعام النار، وجندوا ثلاثة آلاف جندي، وجعلوا بدل الخدمة في الجندية من النقد مائتي ليرة ذهبية، وبلغت الخسائر مليونا وربع مليون من الليرات.
وعاد من دانوا بالإسلام من النصارى كرها إلى دينهم الأصلي، وعوضت الدولة على المنكوبين من أموال الأهالي، ولم يصل إلى من أريدت معاونتهم مما جبي بهذا الاسم أكثر من الربع، وضاع الربع الثاني في النفقات، واختلس الربع الثالث عمال الحكومة، وأصاب صيارفة اليهود الربع الرابع، وكانت الخسارة عظيمة على الحكومة وعلى رعاياها من المسلمين والنصارى، وربحت الدولة من كل هذا تذليل الرعية وإخضاع الزعماء وأرباب المقاطعات، وخسرت دمشق ألوفا من البيوت المسيحية، هاجرت من دمشق إلى بيروت وقبرص ومصر واستوطنوها استيطانا قطعيا.
ولولا أن مئات من أعيان دمشق وتجارها وغيرهم من أرباب الدين والمروءة فتحوا بيوتهم وصدورهم لحماية المسيحيين والمسيحيات، لما بقي منهم ديار؛ لأن الأمر بعد أن خرج من يد الحكمة صار إلى أيدي الرعاع، والرعاع في العادة لا حد لتعديهم وإسرافهم، عمل المسلمون بما فرضه عليهم دينهم من حماية أهل الذمة، ولكن السياسة لعبت ألاعيبها، فعوقب حتى بعض من حمى مواطنيه، وأطعمهم وألبسهم وحنا عليهم.
وكانت الدولة تحاول أن تمثل مثل هذه الفتنة في دمشق قبل نحو ربع قرن، فلم تقع في أحبولتها؛ لأن الأمر رجع يومئذ إلى أرباب البصيرة والرأي، وذلك أن الدولة أرادت يوم ثورة المورة وجزائر البحر المتوسط سنة 1244ه أن تقتل طائفة الروم الأرثوذكس في الشام؛ انتقاما منهم عما أتاه أبناء دينهم في اليونان من عصيان الدولة للوصول إلى استقلالهم، فأمرت الحكومة واليها في دمشق أن يقتل أبناء طائفة الروم في إيالته، وكان الوالي عاقلا على ما يظهر، فأحال المسألة على مجلس دعا إليه الأعيان وأرباب الشأن عليهم أوامر الآستانة، فكان جوابهم: ليس عندنا مفسدون من النصارى، وجميعهم ذميون وعاملون بشروط الذمة لا تجوز أذيتهم، والرسول أوصانا بالذميين ، نحن لا نقدر أن نتحمل تبعة قتلهم، وكتبوا محضرا بجميل سلوك نصارى الإيالة وحسن طاعتهم، وأنهم يؤدون الأموال الأميرية، وأنهم يستحقون الرعاية والمرحمة من السلطنة العثمانية، وبصنع أهل دمشق هذا نجا من القتل عشرات الألوف من النصارى، وهكذا كانت سياسة الدولة العثمانية مدة تزيد على أربعة قرون، تضرب الغني بالفقير، والموافق بالمخالف، والطائع بالعاصي، وتفرق بين أجزاء قلوب رعاياها في بلد فيه عشرون مذهبا ودينا، حتى تخلت عن هذه الديار في حرب سنة 1918م.
دمشق في العهد الأخير
فتح الجيش الإنكليزي والجيش العربي مدينة دمشق أواخر الحرب العالمية، وتولى الأمير فيصل بن الحسين حكمها بمعاونة البريطانيين، ووضع فيها أساس الحكومة العربية، ثم وقع الاتفاق بين الحلفاء على تقسيم الديار الشامية، فكانت فلسطين وعبر الأردن من حصة بريطانيا العظيمة، وسورية ولبنان من نصيب فرنسا، وبعد حين جعلت عصبة الأمم الإشراف على هذا القطر لكل من الدولتين المشار إليهما على هذه الصورة، مع الاعتراف بأنه مستقل ويحتاج إلى من يدربه على الحكم من الدول، وهذا ما سموه بالانتداب.
وفي عهد الأمير فيصل التأم مؤتمر من نواب الديار الشامية «فلسطين وشرق الأردن ولبنان وسورية» في مدينة دمشق، وقرروا فيه المناداة بالأمير فيصل ملكا على هذه البلاد، فلم يرق الحكومتين المنتدبتين عمل المؤتمر على ما يظهر، وطلبت فرنسا دخول جيشها على الأرض السورية، فمانعت حكومة فيصل، فدخل الجيش الفرنسي دمشق عنوة بعد وقعة طفيفة في قرية ميسلون مع قوة قليلة من الجيش العربي والمتحمسين من الأهلين، وعهدت فرنسا بالحكم في سورية إلى رئيس سوري سمته تارة رئيس الوزراء، وأخرى رئيس دولة، وطورا رئيس مجلس المديرين، وجعلوا لكل وزارة ولكل ديوان كبير مستشارا فرنسيا، وتغلغل الفرنسيون في جميع فروع الإدارة، وتغلغل جيشهم المحتل في المراكز الحربية. وبينا كانت الهمة منصرفة إلى تقرير الأمن وإصلاح آلة الحكومة، والقوم يهنئون بالراحة وقد نجا أولادهم من خدمة الجندية في الجيش التركي، وكان كل سنة يهلك منهم ألوف في هذه السبيل، وقد نجوا من الاشتطاط عليهم في أداء المغارم، نشبت الثورة في جبل دروز حوران، ولم تلبث أن سرت شرارتها إلى دمشق، فكانت ثورة مؤلمة في زمن تحتاج فيه البلاد إلى السلام، فخربت بمدافع الحامية أجمل قصور دمشق الأثرية وجزء غير قليل من أعظم بيوت حي الميدان وحوانيته وحواصله ومستودعاته، وخربت عدة قرى في الغوطة، وهلك من الأهلين ألوف، وذهب من ثرواتهم مئات الألوف كانت جمعت في عشرات من السنين.
كان عمل فرنسا في التنظيم والإدارة والأمن حسنا في مجموعه، لكن سياستها كانت غير مستقرة على حالة واحدة، فكان الرؤساء الوطنيون ينصبون تارة بالتعيين وأخرى بالانتخاب، ينتخبهم مجلس له صورة المجلس النيابي، وبعد أخذ ورد طال أمرهما اختاروا الحكم الجمهوري، وجاء نواب الأمة إلى دمشق يجتمعون في دار الندوة أي البرلمان على نحو ما يجتمع العريقون في الحكم النيابي في الغرب، وإلى الآن تولى الأمر أربعة رؤساء جمهورية، اثنان منهم انتخبا انتخابا نظاميا في الجملة، إلا أنهما لم يكملا مدتهما، وثالث عينوه بمرسوم وقالوا إنه رئيس جمهورية، وربما كان هو أول رئيس جمهورية يعينه الغريب بأمر منه! والرابع من الرؤساء جرى انتخابه على النحو الذي جرى عليه انتخاب الرئيسين الأولين، وكان ذلك بعد استيلاء البريطانيين على سورية ولبنان في سنة 1940 لأسباب حربية، وقضوا على الفرنسيين الذين حافظوا على الطاعة لفرنسا الأم، وظلوا إلى الآن تحت الاحتلال الألماني، وأصبحت سورية ولبنان مستقلين بحسب العرف الدولي.
Página desconocida