Dhu Nurayn Uthman Ibn Affan
ذو النورين عثمان بن عفان
Géneros
وقد كانت سياسة أبي بكر وعمر أن يستبقيا العلية عندهما، ويرسلا الجند والقادة على قدر إلى ميادين الجهاد، وكان عمر يقتضب الولاية على الولاة مخافة - كما قال - من أن يحمل فضل عقولهم على الناس.
أما سياسة عثمان فقد اختلفت باختلاف الأحوال: سياسة عثمان كانت ترمي إلى إطلاق العلية في الآفاق؛ إرضاء لهم وتوسلا بمقامهم بين الدهماء في كل قطر إلى تسديد النصيحة وحسن القيادة واتقاء الفوضى، وهو اجتهاد منه، له ولا ريب جانبه من الصواب.
وعزت عليه الطمأنينة إلى الولاة مع الفراغ للدنيا بعد الجهاد، فاختار للولاية أناسا من ذوي قرابته سبقت لهم ولاية في عهد الخليفتين السابقين؛ عسى أن يصدقوه العون بحكم القرابة إن لم يصدقوه العون خالصا لوجه الله.
ولما اضطر إلى هذه الخطة حاسب ضميره فعمل على تدارك الضرر منها؛ فذلك حين وفد الوفود لكل مصر من الأمصار عليه وال من ولاته الأقربين، فهم يعيشون في أمصارهم ويحضر منهم من يشاء في موسم الحج ليرجع إليه بما يراه موضعا للمراجعة من أحوال مصره، وهذه خطته التي آثرها للطمأنينة إلى ولاته والطمأنينة على رعاياه.
والذي شاع عن عثمان - وما أسهل الإشاعة - أنه كان يبالي ذوي الثراء ولا يبالي المقترين والضعفاء، والذي كان يحدث منه فعلا أنه يغضب الطامعين ويحمي المطموع فيهم من أهل الذمة وأهل الحاجة والمتربة، فمن أجل إبل الصدقة غضب الغاضبون حين حمى لها المرعى، وزاد في مرعاها على حسب زيادتها، ومن أجل أهل الذمة غضب الشطار من قبيل حكيم بن جبلة؛ لأنه أدبهم وأمر بحبسهم ونهاهم عن أموال أهل الذمة وهم يحسبونها حلالا مباحا لمن يسطو عليها، وكان رهط المبعدين من الكوفة إلى الشام يحاور معاوية في هذه الأموال فينهاهم عنها ويكتب عنهم إلى عثمان أنهم «لا يتكلمون بحجة وإنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة.»
فأما الرزق الحلال فقد فرض لأصحابه ضعف ما كانوا يأخذونه من الأعطية يوم تولى الخلافة، ولم يفعلها سياسة بل فعلها إيمانا بالصواب في هذه الزيادة، وقد كان هو في عهد الفاروق أول من قال بكثرة المال وأشار عليه برصد الأسماء وتوفية كل ذي حق حقه من العطاء خشية النسان والتكرار.
وقد تعود المؤرخون أن يقسموا عهد عثمان قسمين: قسم الصلاح والرضى، وقسم الخلل والشكاية، وهم على صواب في تقسيمهم هذا، وإن لم يصب منهم من قال إنهما قرينان لأيام الكهولة وأيام الشيخوخة في حياة عثمان.
فالواقع أن عثمان كان شيخا جاوز السبعين على أرجح الأقوال في كلا القسمين، ولكن الفرق الصحيح بين السنوات الأولى والسنوات الأخيرة من عهده أن الناس كانوا في شاغل بدفع الأعداء في السنوات الأولى، وأنهم فرغوا للجدل والملاحاة في السنوات الأخيرة، وأن اتهام الولاة أيسر من اتهام القادة في إبان القتال، وقد صارت الرئاسة كلها إلى الولاة بعد المشاركة بينهم وبين قادة الحروب.
ولم يأت هذا التغيير في أطوار النفوس من جانب واحد ولا من الرعية وحدها دون راعيها؛ فحسب طالب الحقيقة أن يعلم أنه لم يأت كله من جانب عثمان، وأن الرعية تغيرت فلم تصبح رعية خليفة، وهي تحاسب ولي أمرها بميزان الخلافة.
أما أن عثمان لم يشترك في هذا التغيير بعمل من عنده؛ فذلك هو الطرف الآخر من طرفي الباطل والادعاء.
Página desconocida