Dhu Nurayn Uthman Ibn Affan
ذو النورين عثمان بن عفان
Géneros
الفصل الثالث
وبعد الصدمة
وليست الصدمة العنيفة بالحائل الوحيد دون توضيح هذه الفترة وتمحيص أسبابها وعواملها وتبعات المسئولين عنها، فالصعوبة الكبرى أننا في هذه الفترة أمام حادثين يرجع كل منهما إلى أسبابه وعوامله، ويتكلم عنهما بعض المؤرخين كأنهما حادث واحد متحد الأسباب والعوامل.
هذان الحادثان هما: التطور السياسي، ومقتل عثمان رضي الله عنه. وأسباب هذا لا تكفي لتعليل ذاك وليس من الحتم أن تؤدي إليه، وقد طال الجدل حول عمل عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء وأثره في هذه الفترة، فرأى بعض المؤرخين أنه أهون من ذاك؛ لأنهم اعتقدوا أن الانقلاب السياسي ومقتل عثمان حادث واحد له أسباب واحدة، وليس هو كذلك. ولو أنهم فصلوا بين الأسباب في كليهما؛ لأمكن تقدير التبعة والاستطاعة في عمل كل عامل ودسيسة كل مشترك في المؤامرة. •••
فابن السوداء - ولا شك - أهون من أن يحدث التطور السياسي، وغيره ممن هم أعظم منه شأنا وأشد منه خطرا أهون من إحداث ذلك التطور كله، سواء تعمدوه أو عملوا له غير عامدين؛ لأنه يرجع إلى أسباب متفرقة عميقة القرار، كثيرة التشعب، لا تضطلع بها قدرة رجل واحد ولا عدة رجال متألبين متواطئين.
ولكن مقتل عثمان شيء آخر غير التطور السياسي، وفي وسع ابن السوداء ومن هو أقل منه أن يقترفه بيده وأيدي من يستمعون لتحريضه ودسيسته؛ لأنه في حقيقته «مشاغبة» من مشاغبات الدهماء التي لا تعجز عن أمثال هذه الأفاعيل.
والذين يقرءون فاجعة عثمان ويلمون بالتاريخ يسبق إلى خيالهم ما قرءوه عن مصارع رؤساء الدول في إبان الثورات والفتن القومية: كالثورة الإنجليزية مع شارل الأول، والثورة الفرنسية مع لويس السادس عشر، وغيرهما من الثورات في العالم القديم والعالم الجديد.
ومتى سبقت إلى خيالهم هذه الصورة، حسبوا أن الثورة التي أفضت إلى مقتل رئيس الدولة في الأمتين كالثورة التي أفضت إلى مقتل رئيس الدولة الإسلامية في صدر الإسلام، وبينهما في الواقع فارق بعيد أبعد من فارق الزمان والمكان.
إن الثورة التي أطاحت بشارل الأول قد اجتمعت فيها قوة الأمة بأسرها على وجه التقريب أمام العرش وأنصاره من النبلاء، وقد كانت هناك حرب وهزيمة غلبت فيها إحدى القوتين، وانهزمت فيها القوة الأخرى.
وهكذا حدث في الثورة الفرنسية التي طاحت بلويس السادس عشر، وهكذا حدث في ثورات كهذه بالقارة الأمريكية والعالم القديم.
Página desconocida