وحاولت هي أن تستجيب لي ولكن المرض كان أقوى منها ومني فلم تستطع.
مرت أيام مرضها الأول وهي تستطيع أن تصل إلى الدولاب لتحضر الصندوق وتستطيع أيضا أن تصل إليه فتعيده، ثم أقعدها المرض فكانت تطلب إلي أن أحضره لها وتطلب إلي أن أعيده. وكانت دموعها تزداد غزارة، حتى كان يوم قالت لي فيه: هشام، يخيل إلي أنني سأموت قبل أن أتعلم القراءة.
فقلت لها في تأثر بالغ: بعد الشر عنك يا ستي.
فقالت وقد علت وجهها حمرة من الخجل كخجل العذارى: أتعرف ما تحويه هذه الكراسة. واحتضنت الكراسة في حب كأنها تحتضن السنين والذكريات وقلت لها: لا.
فازداد وجهها حمرة وعذرية وقالت: إنها مذكرات جدك. فقلت: مذكرات جدي؟ - دخلت إلى مكتبه فوجدته يقرؤها وسألته عنها فقال: إنها مذكرات حبي لك كنت أكتبها أيام خطبتنا. - أكان يراك وأنتما خطيبان؟ - ألا تعرف أن أبي عقد عقدي على جدك ثم انتظرنا فترة طويلة حتى يتم جدك التعليم وهكذا كان يراني دون أن نتزوج. وكان يكتب هذه المذكرات بعد كل لقاء لنا وكنا نلتقي كل يوم تقريبا.
ونظرت إليها في خبث وقلت: أكنت ترينه وحدك؟
فازدادت خجلا وخالط صوتها نغم من الفرح النشوان وهي تقول: امش يا قليل الأدب، كنت ألقاه أمام أمي وإخوتي. - آه، طيب، طيب، لا تزعلي.
وقالت جدتي والنشوة لا تزال في عينيها القديمتين وقد خالطهما البريق فهما عينا فتاة في بواكير الشباب حتى خيل إلي أن جدتي عادت بعينيها ووجهها القاني من الخجل إلى تلك السن التي خطبها فيها جدي، قالت: هشام.
ثم صمتت فقلت: نعم.
فقالت: هشام، أتقرأ لي هذه المذكرات؟
Página desconocida