ووجدت وجهه قد أدير وازداد غلظة وهو يقول: ولماذا تلقاها؟ - لماذا ألقاها؟ - نعم، لماذا تلقاها؟ - أليست، أليست خطيبتي؟ - هل خطبتها؟
نعم، إنه الحق ما يقول، لم أخطبها، ولكن ألم يكن كل ما كان بيننا خطبة ولكن، لم أجد ما أقول إلا: فإني أخطبها الآن.
وازداد صوت عمي غلظة وهو يقول: وأنا أرفض الخطبة.
أصبح الظن إذن حقيقة، فوداعا إذن أيام الهناء، وداعا آمال الحياة جميعا، ولولا بقية من إيمان لقلت للحياة جميعها وداعا، وداعا بائسا، أي شيء فيك أيتها الحياة أبقى له، هذا الصديق الذي يخون الموت، أم هذا الحب الذي قضيت له وبه حياتي، ثم لم يخلف إلا ذكريات كانت هناء فأمست تعاسة، وكانت منى أصبحت يأسا.
تركت الحي الذي كنت أقطنه، وحاولت أن أقطع ما بيني وبين هذه الحياة التي كنت أعيشها، وحاولت أن أمزق هذه الخيوط الضخمة من السنين الطوال التي تربطني بذلك الماضي، حاولت، ولكن هيهات، وكيف للنفس أن تنشطر جزأين؟ وكيف للحياة أن ينفصل أولها عن آخرها وماضيها عن حاضرها؟ إنها حياتي، واحدة لا تنقسم ولا تنشطر ولا تنفصل.
ومرت الأيام، ثقيلة بطيئة، حاولت أن أقطعها بالمذاكرة، وكنت قد تعودت أن ألهو بالمذاكرة عن كل شيء، ونجحت، ولم أفرح بالنجاح، وماذا يجدي النجاح، وأي أمل يمكن أن يفسحه لي؟
وفي يوم طالعتني الجريدة بنعي عمي سعد، فوجدت نفسي أسارع إلى الحي ودخلت إلى البيت فوجدت وجوها أعرف أصحابها فهم أقرباؤه ولكني عبرتهم أبحث عن نجوى فلم أجدها، ولم أجد إلا الحاضنة التي كانت تقوم بشأنها، سألتها في لهفة: أين نجوى؟
فإذا بالمرأة في نشيج يمزق الأفئدة، وأعدت السؤال في لهفة أشد: أين نجوى؟
وأجابت المرأة: لقد ماتت من شهرين! - ماذا؟ - ماتت. لقد كانت مريضة بالسل. - منذ متى؟ - منذ كنت تخطبها. - أمن أجل هذا ... - نعم، من أجل هذا رفض أن يزوجها لك، لقد اتفقنا على أن يرفض خطبتك حتى لا تدفعك الشفقة إلى الزواج بها.
وصرخت في وجهها أسألها: وأين هو؟
Página desconocida