١٤ - وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْعَفِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ الْوَاثِقِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَيْهَقِيُّ وَعُرِفَ بِزَنْكَنَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِمَرْوٍ، قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَامِرٍ سَعْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي سَعْدٍ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَيْثِ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْقَاضِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ مَسْرُورٍ الْمُبَارَكِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ هَارُونُ: سَمِعَ وَكِيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الرَّجُلَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الأَلْهَانِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُعَانَقَةِ؟ فَقَالَ: " أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ خَلِيلُ اللَّهِ ﵇ إِبْرَاهِيمُ، وَأَنَّهُ خَرَجَ يَرْتَادُ لِمَاشِيَتِهِ فِي بَعْضِ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَسَمِعَ مُقَدِّسًا يُقَدِّسُ اللَّهَ ﵎، فَذُهِلَ عَنْ حَاجَتِهِ، وَأَقْبَلَ نَحْوَ الصَّوْتِ، فَإِذَا هُوَ بِشَيْخٍ هَلِبٍ، طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَقَالَ: يَا شَيْخٌ، مَا رَبُّكَ؟ قَالَ: رَبِّي رَبُّ مَنْ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَمَنْ رَبُّ مَنْ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: هُوَ رَبُّ مَنْ فِي الأَرْضِ وَرَبُّ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَمَا فِيهِمَا إِلَهٌ غَيْرُهُ، قَالَ: فَهَلْ بَقِيَ هَاهُنَا مِنْ قَوْمِكَ غَيْرُكَ؟، قَالَ: مَا عَلِمْتُ بَقِيَ مِنْ قَوْمِي غَيْرِي، قَالَ: فَأَيْنَ قِبْلَتُكَ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى الْقِبْلَةِ، قَالَ: فَأَيْنَ بَيْتُكَ؟ قَالَ: فِي هَذَا الْكَهْفِ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ وَادٍ لا يُخَاضُ، قَالَ: فَكَيْفَ تَعْبُرُهُ؟ قَالَ: عَلَى الْمَاءِ ذَاهِبًا، وَعَلَى الْمَاءِ رَاجِعًا، قَالَ: فَلَعَلَّ الَّذِي ذَلَّلَهُ لَكَ يُذَلِّلُهُ لَنَا، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَجَعَلا يَمْشِيَانِ عَلَى الْمَاءِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْجَبُ مِمَّا أَعْطَى اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ صَاحِبَهُ "، قَالَ: " فَدَخَلا الْكَهْفَ، فَإِذَا لَهُ قِبْلَةٌ عَلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ، فَقَالَ: يَا شَيْخٌ، أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ؟ قَالَ: يَوْمَ يَأْمُرُ اللَّهُ ﵎ لِجَهَنَّمَ، فَتَزْفُرُ زَفْرَةً لا يَبْقَى مَلَكٌ وَلا نَبِيٌّ وَلا صِدِّيقٌ وَلا شَهِيدٌ وَلا مُؤْمِنٌ إِلا خَرَّ لِوَجْهِهِ، تَهُمُّهُ نَفْسُهُ، فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِدَعْوَتِي؟ ! وَإِنَّ لِي دَعْوَةً مَحْبُوسَةً مُنْذُ ثَلاثَ سِنِينَ لَمْ أَرَهَا، قَالَ: تُرِيدُ أُعَلِّمُكَ لِمَ حَبَسَهَا عَنْكَ؟ قَالَ: وَلِمَ حَبَسَهَا عَنِّي؟، قَالَ: إِنَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا، أَخَّرَ مَسْأَلَتَهُ لِحُبِّ صَوْتِهِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا، عَجَّلَ مَسْأَلَتَهُ لِبُغْضِ صَوْتِهِ، أَوْ أَلْقَى الْيَأْسَ فِي صَدْرِهِ، فَمَا مَسْأَلَتُكَ هَذِهِ الَّتِي لَمْ تَرَهَا مُنْذُ ثَلاثَ سِنِينَ؟ قَالَ: مَرَّ بِي هَاهُنَا غُلامٌ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، وَمَعَهُ غَنَمٌ كَأَنَّمَا حُشِيَتْ، وَبَقَرٌ كَأَنَّمَا دُهِنَتْ، فَقُلْتُ: يَا غُلامٌ لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: لِخَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ، فَلا تُخْرِجْ نَفْسِي مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تُرِنِيهِ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ ﷺ فَعَانَقَهُ، وَقَالَ: قَدِ اسْتُجِبْتَ، أَنَا خَلِيلُ اللَّهِ.
يَا تَمِيمٌ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الإِيمَاءُ، هَذَا لِهَذَا، وَهَذَا لِهَذَا إِذَا هُوَ لَقِيَهُ، ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالإِسْلامِ، فَإِنَّمَا هِيَ الْمُصَافَحَةُ، فَمَا مِنْ رَجُلَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، يَتَصَافَحَانِ، فَمَا يَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ الآصَارَ "، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ إِلَى تَمِيمٍ الدَّارِيُّ، وَفِيهِ: «يَا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا الْتَقَيَا وَتَصَافَحَا وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، تَحَاتَتْ ذُنُوبُهُمَا عَنْهُمَا كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ»، وَسَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ، وَفِيهِ: " فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَشِدَّتِهِ، قَالَ: وَمَا تَرْجُو بِدَعَوَاتِي، فَوَاللَّهِ إِنَّ لِي فِي السَّمَوَاتِ لَدَعَوَاتٌ مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا مَا اسْتُجِيبَتْ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَمَا كَانَ دَعْوَتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أُمَجِّدُ اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا أَنَا بِغُلامٍ كَأَنَّمَا وَجْهُهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قُصَّةٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَذُؤَابَةٌ مَرْخِيَّةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَعَلَيْهِ مُدْرَعَةٌ لَهُ مَنْ صُوفٍ أَبْيَضَ، وَبِيَدِهِ عَنْزَةٌ، وَمَعَهُ غَنَمٌ، فَقُلْتُ: يَا غُلامٌ، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ تَعَالَى إِنْ كَانَ لَهُ خَلِيلٌ، أَنْ يُرِيَنِي ذَلِكَ الْخَلِيلَ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فَعَانَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ: أَنَا ذَلِكَ الْخَلِيلُ "
1 / 19