لم يكن له بد من تحصيل ذلك من الوجه المباح له؛ ولذلك قال تعالى: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)
، ومتى كان سعي العبد في ذلك على الوجه الذي يجب وكما يجب يكون سعيه عبادة وجهادًا في سبيل اللَّه، كما قال ﷺ: " من طلب الرزق على ما يسن فهو في جهاد، ومن لم يكن على
ذلك فسعيه هباء منثور "، كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤) .
وكان فيما يتولاه خادمًا للناس، مسخرا بلا إرادة منه لخدمتهم، حتى كأنه من جملة البهائم التي سخرها اللَّه تعالى لعباده، وامتن عليهم بها في قوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) .
كون طهارة النفس شرطًا في صحة خلافة الله تعالى وكمال عبادته
لا يصلح لخلافة اللَّه تعالى ولا يكمل لعبادته وعمارة أرضه إلا من كان طاهر
النفس قد أزيل رجسه ونجسه، فللنفس نجاسة كما أن للبدن نجاسة، لكن نجاسة البدن تدرك بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلا بالبصيرة، وإياها قصد ﷿ بقوله:
(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)
وبقوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)
وبقوله: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) .
وإنما لم يصلح لخلافة اللَّه تعالى إلا من كان طاهر النفس، لأن الخلافة هي
الاقتداء به على قدر طاقة البشر في تحري الأفعال الإلهية)، ومن لم يكن طاهر
النفس لم يكن طاهر القول والفعل؛ فكل إناء بالذي فيه ينضح، (ولن يخلو مسك
1 / 86