البدنية، يأكل كما تأكل الأنعام فخليق أن يلحق بأفق البهائم، فيصير إما غمرًا كثور أو شرهًا كخنزير، أو ضريًا ككلب، أو حقودً كجمل، أو متكبرًا كنمر، أو ذا روغان كثعلب، أو يجمع ذلك كله فيصير كشيطان مريد، وعلى ذلك قوله تعالى: (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) .
ولكون كثير ممن صورته صورة إنسان وليس هو في الحقيقة إلا كبعض الحيوان، قال اللَّه تعالى في الذين لا يعقلون عن اللَّه: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)
وقال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢)
وقالل تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٥) .
فبين أن الذين كفروا ولم يستعملوا القوة التي جعلها اللَّه لهم هم شر
الدواب، وقال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)
أي مثل واعظ الكافرين كمثل ناعق الأغنام تنبيهًا أنهم فيما يقال لهم كالبهائم، وبهذا النظر عبر الشاعر عن بعض
من ذمَّه فقال:
اللؤم أكرم من وبر ووالده ... واللؤم أكرم من وبر وما ولدا
ولم يقل " ومن ولدا " تنبيهًا أنه لا يستحق أن يقال له: من، لكونه بهيمة.
وعلى هذا قال المتنبي:
حولي بكل مكان منهم خِلَقٌ تُخطي ... إذا جئمتَ في استفهامها بِمَنِ
ولما ذكرنا لم يكن بين بعض هذه الأنواع وبعضها من التفاوت ما بين إنسان وإنسان فإنك قد ترى واحدًا كعشرة، بل واحدًا كمائة، وعشرة أخرى هدرة دون واحد، كما قيل لامرأة في منامها: أعشرة هدرة أحب إليك أم واحد كعشرة، فقالت:
1 / 80