والغريب قنع منا بعشرين درهمًا في رأس كل شهر، ولو اكترينا من يعلمهم البيان لما قنع منا بألف درهم. ولم يقل هذا إلا وقد ألف " كتاب البيان ". ولو كشف فيه عن وجه التعليم، وصور كيفية التدريج، لأرى كيف وضع الكلام، وتزيين البيان، وكيف التوصل إلى حسن الابتداء، وتوصيل اللفظ بعد الانتهاء، وأبدى لهم عن تدبير المقاطع والمطالع، فإنها معادن الصنعة، ومواضع مفاتح الطريقة؛ ولكنه استمسك بفائدته، وضن بما عنده، غيرةً على العلم، وشحًا بثمرة الفهم، وعرف أن النفع كثير، والشاكر قليل، فلم يفد بما أوضح من أمر البيان فائدةً غير أهله، ومن كرع في حوضه، واستاف من نده. وأما أن يخلارج مبتدئًا، أو يعلم جاهلًا فلا ألبتة.
وفي فصل له: قال أبو عمار: وقد كنا أطعمنا من هذا الطعام بعض التلاميذ، فاستطابه وعلم مقداره، ولكن البطالة على الفتيان غالبة، والسآمة عليهم مستولية؛ فمن بنى على تعليم هذا الشان فلا يعلم إلا أهل النجابة والمثابرة على التعليم، لأنه من لم ينجب له تلميذ حمل عليه ذلك النقص، وظن به العجز.
جلس إليّ يومًا يوسف بن إسحاق الإسرائيلي، وكان أفهم تلميذ مر بي، وأنا أوصي رجلًا عليّ من أهل قرطبة، وأقول له: إن للحروف