21
ولما كان الموارنة أكثر عددا من غيرهم، وكان مردتهم من أقدم الناس عهدا في لبنان بدأنا بذكر تأريخهم مستندين فيه إلى ما كتبه مؤرخوهم، مثل العلامتين المغفور لهما البطريرك أسطفان الدويهي والسمعاني الشهير وغيرهما. (3) الموارنة
إن في تسمية الموارنة بهذا الاسم آراء، منها ما ذهب إليه السريان أتباع يعقوب البرادعي مأخوذا عن النص الوارد في كتب معتقد اليعقوبية؛ وهو: «لما أغارت ملوك الروم على السريان وقتلتهم، قام مارون فوافق ملك الإفرنج الذي في أنطاكية، وكان اسمه أوجان برنس، وقال له: يا ملك الزمان نحن خائفون على جبل لبنان أن ترده طائفة الملكية إلى أمانتهم؛ لأن يوستنيان قيصر يبغض السريان التابعين ليعقوب وأمانته، فقم إلى الكردينال الذي عندك واحمله على أن يقيمني مطرانا فأحفظ بعض الناس على الأمانة الإفرنجية، وأما أمانة يعقوب فما أذكرها، فأقامه مطرانا على البترون، فوجد الملكية قد بلغ تملكهم إلى قرية اسمها أميون، فارتفع مويرين (مارون) وابن أخته بريهيم (إبراهيم) عن الملكية إلى سمر جبيل، فوقى الناس من الجزية التي فرضها الملكية على من لا يتبع دينهم، ووافقه كل السريان ومن في جبل لبنان فاتبعوا مارون.»
ومن ذلك سموا موارنة، وذهب سعيد بن بطريق (وهو الذي ارتقى إلى الكرسي الإسكندري سنة تسعمائة وإحدى وثلاثين مسيحية) إلى أن الموارنة اتخذوا هذا الاسم من مارون الراهب الذي كان في أيام موريق ملك الروم، فقال في كتاب له: «وكان في عصر موريق رجل راهب يقال له: مارون، وكان يقول: إن لسيدنا المسيح طبيعتين ومشيئة واحدة وفعلا واحدا فأفسد مقالة الناس، وأكثر من تبع مقالته أهل حماة وقنسرين والعواصم (وهما مدينتان كانتا في أنحاء حلب) وجماعة من أهل الروم، فسمي الناس التابعون لدينه والقائلون بمقالته مارونيين أي منسوبين إلى مارون. فلما مات مارون بنى أهل مدينة حماة ديرا بحماة وسموه دير مارون.»
وذهب بارونيوس الكردينال المؤرخ إلى أن النسبة المارونية إما أن تكون إلى مارون المدينة التي هي متاخمة لأنطاكية، وإما أن تكون إلى البارمارون الذي انتشرت قداسته في صقع جبل قورش، وامتاز رهبان ديره بالمعارف وحسن العقيدة في أنحاء سورية الثانية، وذهب جبرائيل بن القلاعي إلى أن الموارنة اتخذوا اسمهم من البارمارون بطريرك أنطاكية العظمى؛ إذ جاء في سيرة هذا البطريرك أنه ذهب بنفسه إلى مدينة رومية فثبته الحبر الروماني في مقام البطريركية، ولما رجع إلى أنطاكية رد كثيرين من أتباع مقاريوس ومن أصحاب المقالة اليعقوبية إلى معتقده وصدع بحقيقة الطبيعتين والمشيئتين وبشر بذلك.
ثم أتى لبنان وعزز شأن البابا فيه فقبله الناس مسرورين ورحبوا به فرحين، وهذا الرأي إنما هو الرأي المعول عليه عند الطائفة المارونية في كنائسها والمقبول من البيعة الرومانية،
22
وأما أبو الفرج الملطي فذهب إلى أن الموارنة إنما سموا موارنة؛ دلالة على أنهم ربانيون (لأن مرن بالسريانية معناها الرب).
أما نسب القديس مارون رأس الموارنة الذي كان اسمه قبلا يوحنا السرومي؛ فهو كما جاء في رسالة مكتوبة بخط كرشوني في كتاب قديم محفوظ في كنيسة السيدة بدمشق أن مارون كان ابن أغاتون بن اليدبس ابن أخت كارلومانيو البرنس الذي قدم من فرنسا إلى أنطاكية، فاستولى عليها وعلى سورية في دولة الروم، وهاك نص الترجمة: «وكان رأس الأمة المارونية رجل اسمه يوحنا فاضل عالم خير مستقيم كثير الفضائل، وهو من أصل شريف، اسم أبيه أغاتون وأمه أنوهاميا واسم جده اليديبس
23
Página desconocida