ثم إن موتون لما حضرته الوفاة عهد بالملك إلى ابنه بيكماليون وابنته اليسار على أن يملكا بالسواء، أما بيكماليون فانفرد بالملك وقتل زوج أخته اليسار؛ إذ أوجس منه خيفة فانتزحت اليسار إلى ساحل إفريقية وعمرت قرطاجنة
12
بالقرب من تونس، ولقبت اليسار حينئذ بديدو ومعناه الهاربة. وحدث في أيام بيكماليون أن رامان نيرار الثالث أغار على فينيقية، ومن بعد هذا بات الفينيقيون في سكينة ونعومة بال حتى استوى على عرش آشور تجلت فلاصر الثاني سنة 745ق.م، وكان ملك صور حينئذ حيرام الثالث، فغزا تجلت فلاصر سورية مرارا، وجاء في آثاره أسماء الملوك الذين أدوا له الجزية، فكان في جملتها اسم حيرام ملك صور وسيبيتي بعل ملك جبيل، ولما نوى تجلت فلاصر أن يعود إلى نينوى بعد غزوته الأخيرة استمثل لديه من أخضع من الملوك، فكانوا خمسة وعشرين ملكا في جملتهم سيبتي بعل ملك جبيل وماتان بعل ملك أرواد. وفي أواخر القرن الثامن غشي الصيدونيون أرواد وافتتحوها على رضا من ملك صور، وأقروا جالية منهم فيها فسادوا عليها.
ثم خلف حيرام الثالث على عرش صور موتون الأول ولم يحدث في أيام هذا ما هو جدير بالذكر، ثم استوى على العرش الولا سنة 724ق.م، وحدث في أيام هذا الملك فيما رواه يوسيفوس عن مينندر أن الشيثيين في قبرس شقوا عصا الطاعة؛ فجهز لهم أسطولا وسار به إليهم فأخضعهم، وأن شلمناصر ملك آشور تسلط على فينيقية كلها، وأن سكان صور القديمة أي صور البرية وعكة وسكان مدن أخرى عديدة ثاروا على الصوريين وعصوهم مستسلمين إلى ملك الآشوريين؛ فجمع ملك آشور ستين سفينة بثمانمائة مجذف وسار بها بالفينيقيين لمحاربة الصوريين، وكان أسطول هؤلاء مؤلفا من اثنتي عشرة سفينة، فكان الفوز للصوريين. فعاد ملك الآشوريين مخذولا، وأبقى بعضا من جنوده يحمي النهر وقنوات الماء لمنع الصوريين من الاستقاء؛ فاضطر الصوريين، وقد لبثت الماء ممنوعة عنهم مدة خمس سنين أن يحتفروا آبارا للاستقاء؛ فباتت صور منيعة لم يجد سلمناصر ولا خلفه سرغون إلى فتحها سبيلا.
وأما سرغون الآشوري بعد سلمناصر فلم يتبين من آثاره أنه تصدى للفينيقيين، وإنما غزا الفلسطينيين جيران فينيقيي الجنوب، وجلا جما غفيرا منهم إلى بلاده، وجعل في مكانهم جالية من بلاد الكلدان فجاء ذلك مصداقا لنبوة أشعيا، وقد ضم سرغون قبرص وهي مستعمرة فينيقية إلى مملكته، وكان ذلك نحو سنة 710ق.م.
وكانت مدن فينيقية ما عدا صور تؤدي إليه الجزية، أما الولا، وقد بدا منه من الثبات في وجه سلمناصر وسرغون ما دل على بسالته وشدة بأسه، فقد لبث مجاهرا بعصيان ملوك الآشوريين معللا نفسه بالفوز والنصر، حتى استوى على عرش آشور الملك سنحاريب سنة 704ق.م.
وفي سنة 700ق.م زحف هذا الملك بجيشه الجرار إلى فينيقية؛ فاستسلمت له المدن الفينيقية بدون محاربة، وأدت له الجزية فخضع له عبد يليت ملك أرواد، ومناحيم ملك شمرون، وأور ملك جبيل، وكذلك ملوك صيدا وسربتا (صرفند)، وأكو (عكة)، وأكزيب (الزيب) وغيرها من مدن فينيقية.
ولما بلغ سنحاريب صور البحرية وملكها الولا هم الولا بتحصين الجزيرة ونوى محاربة سنحاريب غير أنه قد حبط مسعاه هذه المرة، وخانته آماله فغلبه سنحاريب، وافتتح الجزيرة ففر الولا، فأقر سنحاريب في مكانه إيتو بعل الثاني.
وقد تبين ذلك كله مما كتب على صفيحة يقال لها: تيلور، ومما جاء في صفيحة أخرى جعلت في متحف القسطنطينية. وصورة سنحاريب بادية على صخر عند نهر الكلب في جملة صور الذين غزوا البلاد الفينيقية، فغشي الضعف بعد ذلك مملكة صور
13
Página desconocida