العقل قائم. واتفاقهم مُنْثَلِمٌ لم تتحقق له صورة تصدّقه؛ فليس من بديهة العقل إذن نَبْذُ عصمة الاتفاق، والتعلّق بأذيال الافتراق.
ومما يَجتثُّ هذه الدَّعوى من جَذْرِها = ما تراه من انعدام المثال الصادق، والصورة الصحيحة للتعارض بين الدلالة العقلية القاطعة وظَوَاهر النُّصوصِ؛ فإنّ كل ما مَثّل به الشيخ أبو عبد الرحمن يكشف عن خَللٍ في التنظير، جَرَّه إلى أَخطاءٍ في التخريج والتطبيق. وليس من حظِ هذه المقدمات استيفاء الكلام عن أمثلته؛ لذا سأكتفي بخبر واحدٍ، ظَنّ الشيخ - عفا الله عنه - معارضته ليقين العقل، وهو ما رواه أبو موسى الأشعري ﵁ قال: (لما أُصيب عمر جَعَل صهيبٌ يقول: وا أَخاه!! فقال عمر: أَما علمت أَنّ النبي ﷺ قال: (إِنّ الميت لَيُعذّب ببكاء الحي)؟! (^١) وهذا الحديث رواه طائفة من أصحاب رسول الله ﷺ منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر (^٢)، والمغيرة بن شعبة (^٣)، وغيرهم ﵃.
قال الشيخ أبو عبدالرحمن الظاهري معقبًا على هذا الحديث: (نَجِدُ صورًا يجب فيها تقديم العقل على النقل؛ نجد ذلك في صور ظَهَرَ فيها تنافي التناقض أَو التضادّ في أَذهاننا؛ لا في الواقع، كالخبر الصحيح: بأن الميت يُعذّب ببكاء أهله عليه. مع العلم القطعي بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ... فتقديم العقل في هذه الصور لا يعني تكذيب الشَرْع، وإنما يعني الأَخذ بالراجح