El Estado Omeya en Sham
الدولة الأموية في الشام
Géneros
كان للزعماء من الصحابة مطامع سياسية عظيمة، فعمل أكابرهم على بذل الأموال والأرواح في سبيل الوصول إليها، ولم يتوان ابن الزبير في السعي وراء تسنم عرش الخلافة؛ خصوصا بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان، لكن أنى له النجاح وقد تطلب الزعامة ابن بنت الرسول والتف الناس حوله في الحجاز، أما الأسباب التي جعلته يلعب دورا كبيرا في التاريخ الأموي ويظهر بمظهر الزعيم القوي الشكيمة فهي كما يأتي: (1-1) السبب الأول: فاجعة كربلاء ومقتل الحسين
أعلن عبد الله ابن الزبير دعوته للناس وحقه في الخلافة بعد مقتل الحسين، وكان قبلا لا يجرأ على التصريح بطلبها، فاستفاد من فاجعة كربلاء وأخذ يحمل الحملات الخطابية الواحدة إثر الأخرى ضد بني أمية، فعرض بيزيد ووصف استهتاره وتمتعه بملاذ الحياة الدنيا، ثم رجع فبكى حسينا واستبكى الناس عليه، وعدد مزاياه الشريفة، فذكر ورعه وتقاه وشجاعته وفضله وإحسانه، ولام أهل الكوفة وعاب عليهم غدرهم بالحسين ورياءهم وحماسهم الفارغ من أجل قضيته، فأثر على الحجازيين خاصة وعلى الأحزاب المعارضة الغاضبة عامة، فالتفوا حوله ورأوا به الزعيم القادر على أن يثأر للدم الزكي المسفوك ظلما وعدوانا، فأنت ترى أن الرجل الذي كان يشجع الحسين على الرحيل إلى العراق ويمدح الكوفيين ويرفع ذكرهم، هو الرجل نفسه الذي كان يقف يومذاك على منابر مكة ليعرض بهم ويغمز من قناتهم.
وقد أثبت التاريخ لنا أيضا أن ابن الزبير كان يكره الحسين ويضمر له العداء، ويراه «أثقل خلق الله»،
1
فتحول كرهه للحسين إلى حبه بعد وفاته، ومديحه للكوفيين إلى ذمهم بعد خيانتهم، وكل هذا في سبيل تنفيذ مآربه السياسية، وإليك البرهان على صحة دعوانا، فقام يخطب في مكة بعد سماعه بمقتله: «أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا، ألا ولا نراهم لذلك أهلا، أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه، أحق بما هو فيه منهم وأولى به في الدين والفضل، أما والله ما كان يبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد (يعرض بيزيد)، فسوف يلقون غيا.»
2 (1-2) السبب الثاني: الصحابة لا تنازع ابن الزبير
خلا الجو لابن الزبير بعد مقتل الحسين، فلم يتنازعه منازع من الصحابة ولا أبناء الصحابة، وقد كنا نأمل أن يقوم عبد الله بن عمر ويدعي الخلافة لنفسه فلم يفعل حبا بالسلام واتقاء للفتنة وحقنا لدماء المسلمين، ولا ريب أن عبد الله كان يحن إلى التربع في دستها، لكنه فضل العافية والسلامة على القتال والهلاك، وسعى سعيا حثيثا ليحمل ابن الزبير والحسين على جمع كلمة الأمة بدلا من تفرقتها، وطلب إليهما مبايعة يزيد الأول فأبيا، ويذكر الطبري أنه خاطبهما بقوله: «اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين ...» وأقام أياما فانتظر حتى جاءت البيعة من البلدان فتقدم إلى الوليد بن عتبة فبايعه.»
3
وقد تألم لمقتل الحسين، فنوه حينما رثاه وترحم عليه بما صرح به مرارا من وجوب الاتحاد والتعاضد والانتصار لرأي الجماعة، فقال: «غلبنا الحسين على الخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير.»
4 (1-3) السبب الثالث: ضعف الحامية الأموية وتعدد الولاة في الحجاز
Página desconocida