El Estado Omeya en Sham
الدولة الأموية في الشام
Géneros
وإني لأميل إلى الاعتقاد أن عبيد الله بن زياد نجح في مهمته وقضى على أركان الحزب العلوي لسببين رئيسيين: الأول اتباعه سياسة الشدة والإرهاب والإعدام لمجرد الظن والتهمة، وإعلان الأحكام العرفية من أقصى البصرة إلى أقصى الكوفة، واعتماده على القساة في تنفيذ خططه وانتهازه الفرص دون تردد ومراوغة، فثبت دعائم الخلافة الأموية بعد أن كادت تميد في أرض العراق، ثم إنه أحسن كل الإحسان إلى مريديه وأتباعه، فجعل منهم ألسنة شكر تسبح بحمده، وأولى من أطاعه نعمة الأمان على نفسه وأهله ومقتنياته، وأساء كل الإساءة إلى عشائر الذين يرون خذل الأمويين ووجوب التخلص منهم مبدأ قويما، فاستقامت له الأمور واستقرت الأحوال ، ولنا من بعض فقرات تلاها في خطبه في البصرة والكوفة ما يؤيد دعوانا، وهاك أهمها:
قال في المسجد الجامع في البصرة: «... يا أهل البصرة، إياكم والخلاف والإرجاف، فوالله الذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خالف أو أرجف لأقتلنه ووليه، ولآخذن الأدنى بالأقصى والبريء بالسقيم حتى تستقيموا، وقد أعذر من أنذر.»
20
وقال في الكوفة: «... يا أهل الكوفة، إن أمير المؤمنين قد ولاني مصركم، وقسم فيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، والشدة على عاصيكم ومريبكم، وأنا منته في ذلك إلى أمره، وأنا لمطيعكم كالوالد الشفيق، ولمخالفكم كالسم النقيع، فلا يبقين أحد منكم إلا على نفسه.»
21
وقال في الكوفة أيضا: «... إن أمير المؤمنين - أصلحه الله - ولاني ثغركم ومصركم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البر، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف، فليبق امرؤ على نفسه، الصدق ينبي عنك لا الوعيد»، ووجه خطابه إلى عرفاء الناس فاستطرد قائلا: «اكتبوا لي الغرباء، ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومن فيكم من الحرورية وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق، فمن كتبهم لنا فبرئ، ومن لم يكتب لنا أحدا فيضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة، وحلال لنا ماله وسفك دمه، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء وسير إلى موضع بعمان الزارة.»
22
بطش عبيد الله بن زياد في الكوفيين بطش الأسد بفريسته بعد أن صدرت إليه إرادة يزيد العليا في دمشق بأن لا يكف عن محبذي روح الثورة والفوضى أبدا، وأن يطلب مسلم بن عقيل طلب الخرزة حتى يظفر به فيقتله أو ينفيه لأنه داعية الحسين الأشد،
23
ثم قضى قضاء مبرما - حينما بلغه أن في نية الحسين القدوم إلى العراق - أن يضع ابن زياد «المناظر والمسالح، وأن يحترس على الظن ويأخذ على التهمة وأن لا يقاتل إلا من قاتله.»
Página desconocida