El Estado Omeya en Sham
الدولة الأموية في الشام
Géneros
وكان معظم الأطباء من الذميين وأغلبهم نصارى في أيام بني أمية، ونبغ من الأطباء رجال معدودون، أشهرهم الحارث بن كلدة الثقفي، وهو شاب حجازي ولد في الطائف، ورحل في طلب صناعة الطب، فذهب إلى اليمن وفارس فأخذ عن أشهر أطباء جنديسابور وأصاب في بلاد العجم مالا كثيرا لمداواته عظمائها وكبرائها، وتمرن في طبابة العيون حتى طار صيته فيها، وكان معاصرا للنبي والخلفاء الراشدين وأدرك أيام معاوية بن أبي سفيان، ثم هزه الحنين فاشتاقت نفسه إلى موطنه فرجع إلى الحجاز، فدرس أمراض العرب وعرف ما تعتاده القبائل من المعالجات، وكان الحارث موسيقيا ماهرا، فضرب على العود، ولعله اقتبس ذلك من فارس، وله كلمات ونصائح طبية مأثورة يتناقلها العرب منها: «الداء الدوي إدخال الطعام على الطعام.» «لا تدخل الحمام شبعانا، ولا تقم بالليل عريانا، ولا تقعد على الطعام غضبانا، وأرفق بنفسك يكن أرضى لبالك، وقلل من طعامك يكن أهنأ لنومك.» «من سره البقاء - ولا بقاء - فليباكر الغداء وليعجل العشاء وليخفف الرداء وليقلل الجماع.»
30
ونبغ من الأطباء عبد الملك بن أبجر الكناني، وهو من الشبان الذين اشتغلوا في صناعة التدريس بالإسكندرية، وقد اعتنق الإسلام على يد عمر بن عبد العزيز، ولما أراد عمر أن يهيئ الأسباب لدراسة الطب في أنطاكية وحران كان الطبيب عبد الملك ساعده الأيمن، وكان هذا الخليفة العادل يعتمد عليه ويجله.
31
وعرف منهم ابن أثال، وهو طبيب دمشقي ممتاز، عاش في أيام معاوية الأول، وكان خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة وقواها، ملما بالسموم القواتل، ويتهمه المؤرخون أن معاوية لم يقربه إلا ليكون آلته في التخلص من بعض الأمراء والخصوم السياسيين، ويستشهدون على صحة دعواهم بقولهم: إن معاوية دس إلى ابن أثال أن يسقي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد سما حينما حدثته نفسه بطلب الخلافة، قال ابن أبي أصيبعة: «إن معاوية لما أراد أن يظهر العقد ليزيد قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ورق جلده ودق عظمه واقترب أجله، ويريد أن يستخلف عليكم، فمن ترون؟ فقالوا: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فسكت وأضمرها ودس إلى ابن أثال الطبيب النصراني فسقاه سما، فمات ففتك ابن أخيه بالطبيب، فألزم معاوية بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم.»
32
واستعمل معاوية بن أبي سفيان أبا الحكم الدمشقي في المقاصد السياسية التي كان يريد تنفيذها وإتمامها، وكان هذا زميلا لابن أثال عالما بأنواع العلاج والأدوية، وعمر الحكم حتى تجاوز المائة سنة، وطبب يزيدا الأول وعبد الملك بن مروان، ويروي القفطي أن معاوية كان يسيره مع الحجاج إلى مكة.
33
وعرف ابنه الحكم من بعده، وقد تعلم على أبيه ومارس هذه الصناعة ونال صيتا طيبا كوالده.
واختص ثياذوق الطبيب النصراني بخدمة الحجاج وصحبه، وكان يعتمد عليه ويثق بمؤازرته، فأغدق عليه نعمه وأجرى عليه رزقا كثيرا، ودرس عليه طلاب مشهورون، وقد أدرك بعضهم الدولة العباسية كفرات بن شحتاثا طبيب عيسى بن موسى الأمير العباسي، ومات فرات في زمن المنصور،
Página desconocida