El Estado Omeya en Sham

Anis Zakariya Nusuli d. 1357 AH
151

El Estado Omeya en Sham

الدولة الأموية في الشام

Géneros

وكان سليمان بن عبد الملك واليا على جند فلسطين في أيام أخيه الوليد، فنزل «لد» - أكبر محطة في فلسطين للسكك الحديدية اليوم - فلم تعجبه ولم ترق له الإقامة فيها، فقدم الرملة، وهي رباط للمسلمين منذ الفتح فمصرها وبنى بها قصره ودارا تعرف بدار الصباغين، واختط المسجد وعمره وزينه واحتفر لهم الآبار والأقنية، وكان بنو أمية ينفقون على آبار الرملة إلى أواخر أيامهم، وأصاب الرملة الدمار في خلال الحروب الصليبية، وهي تكاد تكون اليوم قرية، وكانت زاهية زاهرة في أيام المقدسي الجغرافي، فيقول عنها: «قصبة فلسطين بهية حسنة البناء خفيفة الماء مرية واسعة الفواكه جامعة الأضداد بين رساتيق جليلة ... وقرى نفيسة والتجارة بها مفيدة والمعايش حسنة، ليس في الإسلام أبهى من جامعها ولا أحسن ولا أطيب من حواريها، ولا أبرك من كورتها ولا ألذ من فواكهها، موضوعة بين رساتيق زكية ومدن محيطة ورباطات فاضلة، ذات فنادق رشيقة وحمامات أنيقة وأطعمة نظيفة وإدامات كثيرة ومنازل فسيحة ومساجد حسنة وشوارع واسعة ... قد خطت في السهل وقربت من الجبل والبحر وجمعت التين والنخل وأنبتت الزروع على البعل وحوت الخيرات والفضل، غير أنها في الشتاء جزيرة من الوحل وفي الصيف ذريرة من الرمل، لا ماء يجري ولا خضر ولا طين جيد ولا ثلج، كثيرة البراغيث عميقة الآبار مالحة وماء المطر في جباب مقفلة، فالفقير عطشان والغريب حيران.

وجامع القصبة في الأسواق أبهى وأرشق من جامع دمشق، يسمى «الأبيض» ليس في الإسلام أكبر من محرابه، ولا يعد منبر بيت المقدس أحسن من منبره، وله منارة بهية بناه هشام بن عبد الملك ... وأرض المغطى مفروشة بالرخام والصحن بالحجارة المؤلفة وأبواب المغطى من الشربين والتنوب مداخله محفورة حسنة جدا.»

23 (3-2) واسط العراق

يمكننا القول دون جدال: إن الأمويين شادوا الرصافة والرملة حبا بالنزهة وطلبا للراحة، أما تأسيسهم المدن في العراق فكان لمقصد غير المقصد الذي ذكرناه وأتينا على بيانه، كلنا يعلم أن العراق كان دوما متهيئا للثورة على بني أمية، وكلنا قد شعر بالضغائن التي كان يحملها أهل الكوفة وأهل البصرة على الأمويين وولاتها، فأقام الحجاج مدينة متوسطة بين البصرة والكوفة لا تبعد أكثر من خمسين فرسخا عن كل منهما؛ ولذلك كان بوسعه أن يشرف على أعمال سكان المصرين ويضربهم كلما حدثتهم النفس بالعصيان، وشرع الحجاج في عمارة واسط في سنة 84ه وفرغ منها سنة 86ه/703-705م، وتمتاز واسط بطيب هوائها وكثرة بساتينها ونخيلها، وقد أكد له أطباؤه وبعض ثقاته أنهم استطابوا ليلها واستعذبوا أنهارها واستمرءوا طعامها وشرابها.

24

أما أشهر المباني التاريخية التي شادها الحجاج في واسط فهي المسجد الجامع والقبة الخضراء والقصر والسور، وكان ذرع قصره أربعمائة في مثلها ، وذرع المسجد الجامع مائتين في مائتين، ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع أبوابا من الجهات المختلفة من العراق، فاحتج أهل هذه الجهات وضجوا وقالوا: قد غصبتنا على مدائننا وأموالنا، فلم يلتفت إلى قولهم ولم يغنهم احتجاجهم عليه فتيلا، وقد زار ياقوت واسطا فوصفها بقوله: «ورأيت أنا واسطا مرارا فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيلا يفوت الحصر، وكان الرخص موجودا فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف، بحيث إني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين، واثنتي عشرة دجاجة بدرهم، وأربعة وعشرين فروجا بدرهم ، والسمن اثنا عشرة رطلا بدرهم، والخبز أربعون رطلا بدرهم، واللبن مائة وخمسون رطلا بدرهم، والسمك مائة رطل بدرهم، وجميع ما فيها بهذه النسبة.»

25 (3-3) جامع بيت المقدس

جرت السنة لدى الخلفاء الأمويين أن يشيدوا المساجد ويعمروا بيوت الله لتكون زينة للمدن ومركزا وسيعا لاجتماع المسلمين وغيظا على الأجانب والأغيار، فأقام الوليد الجامع الأموي في دمشق، وقد أسهبنا لك في وصفه وبيان محتوياته، وبنى والده عبد الملك بمساعدته جامع بيت المقدس أو جامع الصخرة، وتباينت رواية الذين زاروه وشاهدوه من المؤرخين في العصور المختلفة في ذكر مساحته وعدد عمده ومحاريبه ومنابره والأموال التي أوقفت له.

قال المقدسي: «... وللمغطى ستة وعشرون بابا: باب يقابل المحراب يسمى باب النحاس الأعظم مصفح بالصفر المذهب ... والسقوف كلها إلا المؤخرة ملبسة بشقاق الرصاص، والمؤخر مرصوف بالفسيفساء الكبار والصحن كله مبلط وسطه دكة يصعد إليها من الأربع جوانب في مراق واسعة وفي الدكة أربع قبات، وطول المسجد ألف ذراع بذراع الملك الإشباني، وعرضه سبعمائة، وفي سقوفه من الخشب أربعة آلاف خشبة وسبعمائة عمود رخام، وعلى السطح خمسة وأربعون ألف شقفة رصاص، وخدامه مماليك له أقامهم عبد الملك من خمس الأسارى؛ ولذلك يسمون الأخماس، لا يخدمه غيرهم، ولهم نوب يحفظونها، وكانت وظيفته في كل شهر مائة قسط زيت وفي كل سنة ثمانمائة ألف ذراع حصر.»

26

Página desconocida