El Estado Otomano antes y después de la Constitución
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
Géneros
رابعا:
تخفيض الرواتب الباهظة لكبار المأمورين.
هكذا كانت تبدد أموال الخزينة وصغار المأمورين يتضورون جوعا، وحماة البلاد من أنفار الجند يصبرون على مضض العيش حفاة عراة.
وليس من مزاعمنا هنا أن نرسم خطة لتنظيم مالية الدولة، ولكننا ونحن من أفراد هذه الأمة نود أن يطمئن أبناؤها لماليتها اطمئنانهم لعدل الدستور، وليعلموا أن مالية الحكومة ليست على ما كان يبدو عليها من الضعف، فالمجال متسع لإنمائها إلى ما يعادل ثروة أغنى الدول الأوروبية، فإن كل ظواهر الحال تبشر بتحقيق هذه الآمال.
دع الآن المستقبل وآماله وانظر إلى أبواب الدخل في الحالة الحاضرة؛ تر أن التبديد فيه لم يكن دونه في الخرج، فإن الخلل الذي كان سائدا في الإدارة وعدم اطمئنان عمال الحكومة على مراكزهم واضطرارهم إلى استرضاء رؤسائهم بالمال الذي لا تتسع له ثروتهم ورواتبهم، كل ذلك فتح باب الرشوة على متسع مصراعيه، فإذا أخذت مثلا موردا من أعظم موارد الدخل كالرسوم الجمركية، وعلمت أن كثيرين من مأموري هذه الإدارة يجمعون الثروات ببضع سنوات وفرا خالصا بعد دفع ما عليهم من الضرائب، كما رأيت في باب المأمورين؛ اتضح لك - لأول وهلة - أن خسارة الخزينة كانت عظيمة مهما كان حرص بعض نظارها ونزاهتهم في بعض الأحيان.
ثم إذا علمت أيضا أن كل غرش يدخل جيب المأمور رشوة واختلاسا على هذا المنوال يخرج من مال الخزينة ثلاثة غروش بأقل تعديل؛ لأنه لا بد من ذهاب ضعفي الرشوة للراشي والرائش والبطانة والأذناب؛ زدت روعا لغوائل الغبن الفاحش وأيقنت بحصول الزيادة العظيمة في الدخل مع إصلاح الإدارة وتأمين المأمورين وزيادة رواتب صغارهم ولتقس الحكومة ما شاءت بعد ذلك على المرتكبين منهم.
فإذا فرضنا أن الداخل في جيوب المأمورين بطرق الاختلاس، لا يربو في كل جمارك السلطنة على المليون ليرة، فالزيادة المأمول حصولها مع بقاء التجارة على حالها تناهز ثلاثة ملايين.
خذ الآن سائر أبواب الدخل التي تجبى فيها الأموال بيد عمال الحكومة لحسابها، حتى بصرف النظر عن المخصص منها لإدارة الديون العمومية، تر الخلل نفسه فاشيا فيها جميعا وإن تباين فيها الحيف، فالأعشار ورسوم الأراضي وسائر الأموال الأميرية يشمل الظلم بجبايتها الحكومة والأهالي. أما الحكومة فلما تقدم من الأسباب، وأما الأهالي فلأن الغني منهم يطمع به ولكنه قد تشفع له الواسطة والمال، وأما الفقير فينهب ويعرا ولا شفيع له.
وعلى ما تقدم قس أيضا جميع الإدارات الخاصة التي تؤخذ فيها الرسوم بيد عمال الحكومة لحسابها.
وأضف إلى ذلك ما استردته الحكومة وتسترده من الأراضي الأميرية غير الأوقاف التي كانت ذاهبة هبات متفرقة فأرجعت إلى إدارتها، وزد عليها أراضي الحكومة المهملة الصالحة مذ الآن للزراعة، والمعادن الجاري استخراجها بيد غير أصحابها والامتيازات التي أصبحت الحكومة في غنى عن بعثرتها يمينا وشمالا.
Página desconocida