قلت: زيادة الشدة باعتبار تعدد وجوه التخلص كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه)) فلما كان التخلص يحصل في الزنا بأمر واحد وهو التوبة، كان التخلص منه أخف من الغيبة التي لا تخلص منها إلا بأمرين التوبة والاعتذار، وكان البهتان أشد من الغيبة لما كان التخلص منه لا يحصل إلا بثىثة، بالتوبة والاعتذار، وإعلام من تكلم عندهم بأنه كان كاذباص فيما قال على فلان، فزيادة الشدة باعتبار الخروج من الذنب لا باعتبار اقتحام الذنب، والزنا أشد تحريما، ولذا شرع الحد على فاعله، وأجمع على كبره.
قال ابن أبي الحديد: وفي الصحاح المجمع على صحتها أنه صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين جديدين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان لكبير، أما أحدهما فكان يغتاب الناس، وأمما الآخر فكان لا يتنزه من البول)) فصرح بأن الغيبة ليست بكبيرة، وقيل: بل هي كبيرة؛ لأن في خبر ابن عباس بعد: وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير، قالوا: ومعنى وما يعذبان في كبير أي في أمر يكبر عليهما أو يشق لو أرادا وهو التنزه وترك الغيبةن ولم يرد أن المعصية ليست بكبيرة، وأن الذنب فيها هين سهل، ولذا استدرك بقوله: ((بلى إنه كبير)).
وأهل مذهبنا لا يعدون الغيبة ولا النميمة من الكبائر؛ لأن الكبيرة تقتضي فسق مرتكبها، ولا إفساق إلا بقاطع من السمع والحادي لا يفيد القطع، والله أعلم.
Página 6