ثم يمضي هيوم في عرضه موضوع «المعجزة» ليبين أن الإيمان بوقوع المعجزات إنما هو إيمان لا يستند إلى أساس مما يصح الركون إليه بحال من الأحوال؛ فأولا: يلاحظ أن ليس هنالك معجزة واحدة مما يروى قد شهدها عدد كاف من الشهود الذين نطمئن إلى رجاحة عقولهم وارتفاع منزلتهم من التربية العلمية ارتفاعا يعصمهم من الوهم، وثانيا: إن من طبيعة الإنسان نفسها ما يغريه بالاستماع إلى ما يثير العجب والدهشة، فما أهون عليه أن يستمع إلى غريب الأحداث ليشبع بها خياله؛ فعلى الرغم من أنه في حياته العملية تراه يزن صدق الرواية على أساس خبراته الماضية، إلا أنه حين تمعن الرواية في بعدها عن الواقع، تراه يستغني عن الخبرة ومقياسها في التصديق أو التكذيب، وينصت بقلبه لا بعقله. وثالثا: إنه مما لا ريب فيه أن حديث المعجزات يكثر بين الشعوب الجاهلة والمتأخرة؛ وحتى إذا وجدت شعبا متحضرا لا يزال يروي شيئا عن هذه المعجزات، فستجده قد ورثها عن أسلافه أيام جهلهم وتأخرهم، وقد نقلها السلف إلى الخلف بعد أن أحاطها بشيء من الرهبة حتى لا يعبث بها عابث.
نصوص مختارة
النص رقم 1
في أصل أفكارنا
إدراكات العقل البشري بأسرها تنحل من تلقاء نفسها إلى نوعين متميز أحدهما من الآخر، وسأطلق عليهما لفظتي «انطباعات» و«أفكار»؛ وينحصر الفرق بين هذين النوعين في درجات القوة والحيوية اللتين يطبعان بهما العقل ويلتمسان بهما الطريق إلى فكرنا أو شعورنا: فأما الإدراكات التي ترد إلينا بأبلغ القوة والعنف، فلنا أن نسميها ب «الانطباعات» وإني لأجمع تحت هذا الاسم كل إحساساتنا وعواطفنا وانفعالاتنا عندما تظهر للمرة الأولى في النفس؛ وأما لفظة «الأفكار» فأعني بها ما يكون في التفكير والتدليل العقلي من صورة خافتة لتلك الإحساسات والعواطف والانفعالات ... وأعتقد أن توضيح هذا الفرق (بين الانطباعات والأفكار) لا يتطلب بالضرورة الملزمة إضافة في القول؛ ذلك أن كل إنسان مستطيع بنفسه أن يدرك في غير عسر الفرق بين الإحساس والتفكير؛ إذ من اليسير أن نميز بينهما عندما يكونان في درجاتهما المألوفة؛ ولو أنه ليس محالا في حالات معينة أن يقترب أحدهما من الآخر اقترابا شديدا؛ مثال ذلك في حالات النعاس والحمى والجنون، والحالات التي تتعرض فيها النفس إلى أي انفعال شديد العنف، فعندئذ قد تقترب أفكارنا من انطباعاتنا؛ وكذلك الأمر من ناحية أخرى قد يحدث أحيانا أن تبلغ انطباعاتنا من الخفوت والضعف حدا يتعذر علينا معه أن نفرق بينها وبين أفكارنا؛ غير أنه رغم هذا التشابه القريب بينهما في حالات قليلة، إلا أنهما بصفة عامة يكونان من التباين بحيث يستحيل على أحد من الناس أن يتردد في أن يضعهما في قسمين مختلفين، وأن يخصص لكل منهما اسما ليبرز ما بينهما من اختلاف.
وكذلك تنقسم إدراكاتنا انقساما آخر يجمل بنا ملاحظته، وهو انقسام يمد حدوده إلى الانطباعات والأفكار كليهما، وأعني به انقسام الإدراكات إلى «بسيطة» و«مركبة»؛ أما الإدراكات - أي الانطباعات والأفكار - البسيطة فهي تلك التي لا تقبل تمييزا أو فصلا (في عناصرها)؛ وأما المركبة فعلى خلاف ذلك ويمكن تحليلها إلى أجزاء متميز بعضها من بعض؛ فإنه وإن يكن اللون الخاص والطعم والرائحة كلها صفات متحد بعضها مع بعض في هذه التفاحة؛ فمن اليسير أن ندرك أنها مختلفة إذ يمكن على الأقل أن نميز بعضها من بعض. «رسالة في الطبيعة البشرية» (نشر سلبي بج) ص1-2
OF THE ORIGIN OF OUR IDEAS
All the perceptions of the human mind resolve themselves into two distinct kinds, which I shall call Impressions and Ideas. The difference betwixt these consists in the degrees of force and liveliness with which they strike upon the mind, and make their way into our thought or consciousness. Those perceptions, which enter with most force and violence, we may name ''impressions’’; and under this name I comprehend all our sensations, passions and emotions, as they make their first appearance in he soul. By ''ideas’’ I mean the faint images of these in thinking and reasoning; ... I believe it will not be very necessary to employ many words in explaining this distinction. Every one of himself will readily perceive the difference betwixt feeling and thinking. The common degrees of these are easily distinguished; tho’ it is not impossible but in partieular instances they may very nearly approach to each other. Thus in sleep, in a fever, in madness, or in any very violent emotions of souls, our ideas may approach to our impressions: As on the other hand it sometimes happens, that our impressions are so faint and low, that we cannot distinguish them from our ideas. But notwithstanding this near resemblance in a few instances, they are in general so very different, that no-one can make a scruple to rank them under distinct heads, and assign to each a peculiar name to mark the difference.
There is another division of our perceptions which it will be convenient to observe, and which extends itself both to our impressions and ideas. This division is into Simple and Complex. Simple perceptions or impressions and ideas are such as admit of no distinction nor separation The complex are the contrary to these, and may be distinguished into parts. Tho’ a particular colour, taste and smell are qualities all united together in this apple, ’tis easy to perceive they are not the same, but are at least distinguishable from each other.
A Treatise of Human Nature (ed. Selby-Bigge)
Página desconocida