Darajat Sitt
الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك
Géneros
2,25
0,28
0,05
في محاولة للدفع بتنبؤاتنا إلى مستوى أبعد، كانت الشبكة النهائية التي تناولناها بالدراسة مختلفة تماما. أردنا في الحقيقة العثور على شبكة عصبية لنحسب عليها الإحصائيات التي توصلنا إليها، لكننا سرعان ما اكتشفنا أن بيانات الشبكات العصبية، شأنها شأن بيانات الشبكات الاجتماعية، نادرة للغاية. ولحسن الحظ، تعلم ستيف بالفعل بعض الأشياء عن الأحياء على مدار السنوات الطوال التي قضاها في التفكير في المذبذبات الحيوية، وبعد بضع محاولات خاطئة للبدء، اقترح ستيف أن نفحص نوعا من الديدان يعرف باسم الربداء الرشيقة، وقد أخبرني أنها من الكائنات الحية التي وقع عليها اختيار علماء الأحياء لإجراء دراسة مكثفة عليها، وربما تناول أحدهم شبكتها العصبية بالدراسة.
ربما! بعد بحث وجيز، وبمساعدة صديق لستيف يعمل عالم أحياء تصادف كونه خبيرا في الربداء الرشيقة، اكتشفت سريعا أن هذه الدودة حظيت باهتمام كبير في عالم البحث الطبي الأحيائي. وإلى جانب ذبابة الفاكهة (الدروسوفيلا)، وبكتيريا إي كولاي، وربما الخميرة، تعد دودة الربداء الرشيقة الخيطية التي تسكن الأرض الأكثر دراسة، والأكثر شهرة بين الكائنات الحية، على الأقل بين علماء الأحياء المتخصصين في دراسة الديدان. اقترح سيدني برينر، الذي عاصر العالمين واطسون وكريك، استخدام الربداء الرشيقة لأول مرة كنموذج حي في عام 1965، وصارت بعد ثلاثين عاما عنصرا جوهريا في مشروع الجينوم البشري، لتكون بذلك قد قضت ثلاثة عقود من الزمان تحت المجهر. سعى آلاف العلماء - بالمعنى الحرفي للكلمة - لا لتعلم شيء ما عن هذه الربداء، بل كل شيء. لم يحققوا ذلك بعد، لكن سجل إنجازاتهم مذهل، خاصة لشخص يتخبط في دراستها للمرة الأولى، فتتبعوا، على سبيل المثال، الجينوم الكامل للربداء، وهو إنجاز قد يبدو تافها بجوار مشروع الجينوم البشري، لكن حقيقة تنفيذه مبكرا وبقدر أقل بكثير من الموارد تبدو على القدر نفسه تقريبا من الإثارة، وقد رسم العلماء أيضا خريطة لكل خلية في جسمها بكل مرحلة من مراحل تطورها، بما في ذلك شبكتها العصبية.
من الأمور الطيبة بشأن الربداء الرشيقة أن الاختلافات بين العينات، حتى على مستوى أعضاء الكائن الحي، لا تذكر على الإطلاق، وذلك على عكس البشر؛ لذا يمكن التحدث عن شبكة عصبية قياسية للربداء الرشيقة، الأمر الذي يعد مستحيلا مع البشر. الأفضل من ذلك هو أن مجموعة من الباحثين لم يستكملوا فحسب المهمة العظيمة لتخطيط كيفية اتصال كل خلية عصبية في جسم هذا الكائن البالغ طوله ميلليمترا واحدا بالخلايا الأخرى، لكن مجموعة أخرى أيضا دونت فيما بعد بيانات الشبكة الناتجة بتنسيق يمكن قراءته على الكمبيوتر. وما يدعو للسخرية أنه بعد هذين الإنجازين العلميين المذهلين، قبعت النتيجة النهائية في قرصين مرنين بحجم 4,5 بوصة داخل الغلاف الخلفي لكتاب في مكتبة جامعة كورنيل، أو على الأصح الكتاب هو الموجود فقط في المكتبة؛ فقد أخبرتني أمينة المكتبة أن الأقراص المرنة قد فقدت. عدت، يائسا، إلى مكتبي للتفكير في نموذج آخر من الشبكات، لكن بعد يومين تلقيت مكالمة هاتفية من أمينة المكتبة التي نجحت في العثور على القرصين في النهاية. من الواضح أنهما لم يشغلا اهتمام أي شخص، فقد كنت أول شخص يفحصهما على الإطلاق، وبعد أن حصلت على القرصين وجهاز كمبيوتر قديم بما فيه الكفاية بحيث احتوى على محركي أقراص حجم 4,5 و3 بوصات، كان ما تبقى من العملية بسيطا نسبيا. وكما هو الحال مع شبكة الطاقة الكهربائية، تطلبت البيانات بعض المعالجة، لكن دون عناء كبير تمكنا من تحويلها إلى تنسيقنا القياسي. لم تحبطنا النتائج، التي ظهرت على الفور تلك المرة؛ فكما يوضح الجدول
3-2 ، كانت الشبكة العصبية للربداء الرشيقة شبكة عالم صغير هي الأخرى.
وهكذا صار لدينا ثلاثة أمثلة، وبعض التصديق التجريبي أخيرا على نماذجنا المصغرة. لم تستوف الشبكات الثلاث جميعها شرط العالم الصغير فحسب الذي كنا نبحث عنه، لكنها فعلت ذلك أيضا على الرغم من الاختلافات الكبيرة في الحجم والكثافة، بل على الرغم من تباين طبيعتها الأساسية، وهو الأهم. ما من تشابه على الإطلاق بين تفاصيل شبكات الطاقة الكهربائية والشبكات العصبية، وما من تشابه على الإطلاق بين كيفية اختيار الممثلين السينمائيين لمشروعاتهم وبناء المهندسين لخطوط انتقال الطاقة. لكن على مستوى ما، على نحو تجريدي إلى حد ما، ثمة شيء متشابه بين كل هذه الأنظمة؛ لأن جميعها شبكات عالم صغير. بدأ باحثون آخرون، منذ عام 1997، في البحث عن شبكات العالم الصغير أيضا، وقد ظهرت هذه الشبكات - كما هو متوقع - بجميع الأنحاء: في بنية الشبكة العنكبوتية العالمية، وشبكة التمثيل الغذائي لبكتيريا إي كولاي، وعلاقات الملكية التي تربط المؤسسات والبنوك الألمانية الكبيرة، وشبكة مجالس الإدارات المتداخلة لأهم 1000 شركة أمريكية وفقا لقائمة مجلة فورتشن، وشبكات التعاون بين العلماء. لا تعد أي من هذه الشبكات شبكات اجتماعية بالضبط، لكن بعضها، مثل شبكات التعاون، بدائل معقولة، وهناك شبكات أخرى، مثل الشبكة العنكبوتية العالمية وشبكة الملكيات، مع أنها ليست اجتماعية بأي صورة فعلية، فإنها على الأقل منظمة اجتماعيا، وبعض الشبكات الخاضعة للدراسة ليس لها أي محتوى اجتماعي على الإطلاق.
إذن، كانت النماذج صحيحة. لا تعتمد ظاهرة العالم الصغير بالضرورة على خصائص الشبكات الاجتماعية البشرية، بما في ذلك نسخة التفاعلات البشرية التي حاولنا بناءها في إطار النموذج ألفا. اتضح أن الأمر أكثر عمومية، يمكن لأي شبكة أن تكون شبكة عالم صغير ما دامت قادرة على تجسيد النظام، مع احتفاظها بقدر صغير من الفوضى، ويمكن أن يكون مصدر النظام اجتماعيا؛ كالأنماط المتداخلة من الصداقة في شبكة اجتماعية، أو ماديا؛ كالتقارب الجغرافي لمحطات الطاقة الكهربائية؛ لا يهم المصدر، كل ما يستلزمه الأمر هو آلية ما تزيد بها احتمالية اتصال نقطتي تلاق متصلتين بنقطة ثالثة مشتركة مقارنة بنقطتي تلاق يقع عليهما الاختيار عشوائيا. هذه طريقة جيدة للغاية لتجسيد النظام المحلي، لكن يمكن ملاحظتها وقياسها من خلال فحص بيانات الشبكة فحسب، ولا تتطلب معرفة أي تفاصيل بشأن عناصر الشبكات، أو العلاقات بينها أو السبب وراء ما تنتهجه من سلوك. ما دامت «معرفة» (أ) ب (ب) ومعرفة (أ) ب (ج) تشير ضمنا إلى أن (ب) و(ج) بدورهما أكثر احتمالا لأن يكونا على معرفة أحدهما بالآخر مقارنة بأي عنصرين آخرين يقع الاختيار عليهما عشوائيا، فإن لدينا نظاما محليا.
لكن الكثير من الشبكات الحقيقية، خاصة تلك التي تطورت في غياب تصميم مركزي، تنطوي على بعض الفوضى على الأقل. يتسم الأفراد في الشبكات الاجتماعية بالفعالية من خلال اتخاذ خيارات بشأن حياتهم وأصدقائهم، وهذه الخيارات لا يمكن اختزالها بسهولة في التاريخ والسياق الاجتماعي لهم فحسب. تنمو كذلك الخلايا العصبية في الجهاز العصبي بغير هدى، مع خضوعها للقوى الفيزيائية والكيميائية، لكن دون دافع أو مخطط، ولأسباب اقتصادية أو سياسية، تشيد شركات الطاقة خطوطا للنقل لم يخطط لها في أجيال سابقة من الشبكة، وتقطع عادة مسافات كبيرة وتجتاز أراضي وعرة، وحتى الشبكات المؤسسية أيضا، مثل مجالس إدارات الشركات الكبيرة، أو نماذج الملكية التي تربط العوالم التجارية والمالية - وهي الشبكات التي قد يتوقع المرء اتسامها بالتنظيم وفقا للمخططات الميكافيلية لمنشئيها - تعكس سمة العشوائية، وإن كان السبب في ذلك هو أن كثرة المصالح المتضاربة لا يمكن التوفيق بينها على نحو متناسق.
Página desconocida