La conciencia: una introducción muy breve
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
وتكمن العديد من التعقيدات التي تحيط بالضمير في اعتماده على الحديث واللغة، فاللغة ملكية خاصة وملك للآخرين في الوقت ذاته. وإذا دخلنا عالم اللغة فنحن ندخل وسطا ذا تاريخ وبيئة ذات ميول متوارثة لا نستطيع التحكم فيها تماما. فالكلمات على سبيل المثال يسبق وجودها وجود الاستخدامات المحددة التي نضعها لها، وهي غالبا ما تملك معاني متضمنة لا تتأثر بأغراضنا. ويمكن مقارنة المعنى الذي تخدم به اللغة استخداماتنا - وإن كان ذلك مؤقتا وبشكل غير كامل نظرا لأنه يخدم سادة آخرين في الوقت ذاته - بموقف الضمير الذي يخاطب الاحتياجات والرغبات لكن باستقلال مزعج. وفي إدراكه الخاص لتلك القناة التواصلية بين الداخل والخارج - أي التقدير الخاص والتقييم العام - قد ينظر للضمير بوصفه حالة خاصة من الحديث نفسه: حديث داخلي يخدم سيدين - إذا جاز التعبير - وهما الذات والآخر. وبناء على ذلك فهو يظل أداة فعالة لإدراك الذات، لكنه أيضا قوة عنيدة لا يمكن التنبؤ بأفعالها.
صوت ضعيف؟
في العقود المضطربة التي شهدها القرن السابع عشر، كتب إدوارد، إيرل كلاريندون (في الاقتباس الذي ذكر في مطلع هذا الفصل) مشيرا إلى أن الضمير قد يستمر في الحديث لكن بصورة ضعيفة أو واهنة. وقد يختفي صوت الضمير بطرق مختلفة، أحدها أن يسقط فريسة للعادة («عادة ارتكاب الخطيئة» كما يقول كلاريندون) أو الاستسلام المتكرر للنزعات المعارضة. بل الأسوأ من ذلك هو الشك، الذي يتضح في طريقة تناول ستيفنسون لضمير ماركهايم، في أن الضمير قد يكون غير جدير بالثقة أو فاسدا أو أن نصائحه تصطبغ بمصالح أخرى. وكان الضمير دائما واثقا من نفسه، لكن ضمير ماركهايم شديد الوعي والفصاحة والخدمة لمصالح الآخرين بدلا من مصلحته الخاصة، وصوته هو صوت الحية الخبيث المغوي في الجنة أو صوت الشيطان وهو يغوي المسيح، صوت يغزو أفكار ماركهايم بطريقة تؤدي به إلى تدمير ذاته.
وتعد السخرية والولاء المشكوك فيه خصائص تشترك فيها تجسيدات متعددة للضمير في وسائل الإعلام الجماهيرية، وهي ضمائر تغوي وتشمت وتهدد بتدمير أصحابها بطرق أخرى. وأنا أعتقد أن هذا مثل «تأثير لامونت كرانستون»، وهو برنامج إذاعي كان يبث أيام طفولتي وكان يقدم شخصية كرانستون «الظل»، وهو شخصية معاصرة تجسد الضمير، وكان شعاره «من يعرف ما الشر الذي يكمن في قلوب البشر؟ الظل يعرف!» ويعقبه ضحكة ساخرة. وبالطبع كان الظل هو صاحب الموقف الأقوى؛ حيث كان ضحايا سخريته (مثل ماركهايم) من الآثمين بلا ريب. لكن شيئا ما في الابتهاج الخبيث للضمير كان ينفي أن يكون هدفه تعزيز الكمال الأخلاقي. والظل بدوره له العديد من النسخ المقلدة في فئة أفلام الرعب الخاصة بالمراهقين والتي يتحدى فيها شخص غير مرئي أو متنكر ضحيته ساخرا بشيء من قبيل «أعلم ما فعلت» أو تحديدا «أعلم ما فعلت الصيف الماضي». ويمتلك الصوت الذي يتحدث من موقع قوة خارج الذات - لكنه ذو معرفة غير عادية بالذات - موهبة خاصة في إحداث الدمار والمتاعب الشخصية. وفي حين أنه يعلم عنا كل شيء، فهو يظل بمعزل عن مخططاتنا الهادفة للمصلحة الشخصية دون أية مبررات. وهكذا يمكن لإحدى الخصائص الدائمة للضمير - وهي أنه غير محبوب ولا يمكن رشوته أو شراؤه وأنه يظل بمعزل عن الأشخاص الذين يهتم بهم - أن تفسر تعطله الجزئي إلى حد ما.
ويستمر الضمير في عمل ما كان يعمله دائما، وعلى مستويات ثقافية متنوعة، لكنه أصبح يحظى باحترام أقل. وما زال نداؤه مسموعا، لكن حديثه غالبا ما يبدو خافتا أو غامضا أو فارغا من المحتوى الأخلاقي المقنع الذي يستحق الإعجاب. وفي أوساط فلسفية محددة ما زال الضمير يملك صوتا ونداء، لكنه لا يستطيع الفرار من الشك في أن نداءه فارغ: فهو نداء من الذات للذات، للوعي الذاتي - كما كان الأمر دائما بطريقة ما - لكنه الآن نداء محاصر داخل الذات بطريقة ما، ولا تسمعه إلا الذات، وهو مجرد من أنواع المضمون الواضح التي بوسعها أن تضمن قوته وأهميته الاجتماعية. وفي النظام الخاص بفيلسوف القرن العشرين مارتن هايدجر، يعد نداء الضمير فارغا بطبيعته، فهو أكثر اهتماما بالتمييز الذاتي للذات عن العامة من اهتمامه بأي مضمون أخلاقي مميز: «يوقظ الضمير الذات من ضياعها في الآخرين.» ويدعو نداء الضمير الذات إلى الوعي الأخلاقي، ومع ذلك يظل غير محدد فيما يتعلق بمضمون هذا الوعي (وربما كان ذلك ملائما للمعضلة التي تواجه مهنة هايدجر سيئة السمعة).
ويمثل صاحب الضمير المهووس بذاته اليوم - والذي يمكننا أن نقول إنه من أتباع مذهب هايدجر - شخصية كلامانس في رواية كامو التي تحمل عنوان «السقوط» (1956)، وهي شخصية وصفها كامو في مكان آخر بأنها «نموذج دقيق لضمير نادم». ويتشكل ضمير كلامانس بسبب «صرخة» أطلقتها امرأة تلقي بنفسها في نهر السين، وهي صرخة «انتظرتني حتى اليوم الذي قابلتها فيه» و«كان علي أن أخضع لها وأعترف بذنبي». وهي صرخة لم يكن كلامانس في بداية الأمر قادرا على الاستجابة لها، والآن يمنعه عجزه عن الاستجابة لها - حتى معرفة من أين صدرت أو ماذا تريد منه بالضبط - من العودة إلى حياته الهادئة. ولا تعد محنته دعاية لقوة الضمير التخليصية، فنحن نقابله ونتركه وهو في حالة من الشلل والضعف.
لكن صوت الضمير ما زال يصارع الظروف كي يكون مسموعا. كما في أغنية إمينم الشهيرة «الضمير النادم» التي يسمع فيها صوت الضمير، بل يقدم أيضا بصورة محترمة، لكنه لا يحظى سوى بنجاح محدود. وقد ألف مغني الراب الأمريكي إمينم ممثل الثقافة الشفهية المعاصرة عرضا تمثيليا متعدد الأصوات يتم فيه تشجيع العديد من ممثلي المجتمع الأقل تمتعا بالضمير بواسطة إمينم (بوصفه متحدثا باسم ثقافة الشارع والغريزة الأكثر انحطاطا)، وتقييدهم من قبل إمبراطور الهيب هوب والمتحدث الأكبر سنا د. دري (في دور الضمير).
وفي السيناريو الأول من بين ثلاثة سيناريوهات، نتعرف على شخصية إيدي وهو على وشك سرقة متجر كحوليات:
المذيع :
هذا هو إيدي، 23 عاما.
Página desconocida