La conciencia: una introducción muy breve
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
ومثلما في حالة ضمير كل من أوغسطين وديفو، يرتبط هذا الطيف بعلاقة حميمية مع ماركهايم، فهو بمثابة ماركهايم آخر، لكنه منفصل عنه أيضا على نحو ما. وبينما يصارع أوغسطين للحصول على ملكية لسانه، ويجد كروزو نفسه في جدال مع نفسه، يتوهم ماركهايم وجود طيف مشابه يرغب في الحوار معه، طيف خارق للطبيعة «شبيه» به يخاطبه بصوت يشبه صوته على نحو مخيف. لم يكن ستيفنسون أول من ابتكر ضميرا متحركا متحدثا، فالضمير شخصية بارزة في بعض القصائد التي ترجع للقرون الوسطى مثل قصيدة ويليام لانجلاند التي تحمل عنوان «الفلاح بيرس»، وهو يظهر على خشبة المسرح باسمه في المسرحيات الأخلاقية التي كانت تعرض في القرن الخامس عشر والسادس عشر. وفي كل تلك الأمثلة، يمتلك الضمير موهبة الخطاب الإقناعي.
يحاول ماركهايم في بداية الأمر أن يمنع زائره المزعج من الاقتراب، وهو رد فعل معتاد، فالضمير غير مرحب به تماما عند ظهوره، فهو لا يجلب وعيا ذاتيا ومعرفة جديدة فحسب، بل إنه يجلب معه أيضا مسئوليات شاقة.
صاح ماركهايم قائلا: «أنت تساعدني؟ كلا، أبدا، ليس أنت! أنت لا تعرفني بعد، حمدا لله أنت لا تعرفني!» وأجاب الزائر قائلا بنوع من الحدة أو الحزم الممتزج بالحنان: «بل أعرفك، وأعرف دخيلتك جيدا.»
يرتكب ماركهايم الخطأ المتمثل في الدخول في حوار مع شبيهه، وينتج عن ذلك أنه يقتنع بالاعتراف، وهو اعتراف قد يكون في مصلحته أو لا. وعند اعتراف ماركهايم تنتهي مهمة الشبيه، فيختفي ويتلاشى تماما، ويترك القارئ كي يتساءل عن نواياه الأصلية نيابة عن البطل:
بدأت ملامح الزائر تخضع لتغير رائع جميل: فقد أشرقت وزادت نعومة وغمرتها فرحة النصر الممزوجة بالحنان، وفي اللحظة نفسها التي أشرقت فيها بهتت وتلاشت.
يعد ستيفنسون أقل تأكدا أو ثقة من أوغسطين أو ديفو في تقديره للضمير والولاء المنقسم أو المهمة المزدوجة التي يلتزم بها الضمير، فحديث ضمير ماركهايم حديث مغر لا يحاول إقناعه بالخلاص قدر ما يعد نوعا من العقاب الذاتي، لكنه يقوم بذلك بالكلمات وبالحديث الإقناعي.
وعلى الرغم من أن تلك الأمثلة الثلاثة تختلف كثيرا في فحواها، إلا أن كلا منها يتضمن شخصا في موقف خطير مستعد لاتخاذ قرار حاسم جديد، سواء الاهتداء في الحالتين الأوليين أو الاعتراف في الحالة الثالثة. وهكذا يمكننا أن نتحدث عن «زيارة» الضمير التي يقوم فيها الضمير بدور شخص آخر يملك معرفة خاصة أو «مطلعة» على المأزق الذي يمر به البطل. فمنذ بضعة عقود كتب برونو سنيل كتابه العبقري «اكتشاف العقل» الذي أبدى فيه ملاحظة ثاقبة بأنه عندما كان الإغريق القدماء يحتاجون إلى تفسير أحد التغيرات الكبرى في وجهة النظر أو تبني قرار جديد، كانوا يميلون إلى الاستعانة بزيارة خارجية من إله أو أي وسيط خارجي آخر - وسيط مطلع على الموضوع الحالي، لكنه أيضا لديه معلومات جديدة أو بصيرة نافذة أو مجموعة من المطالب المعدلة - وكانت نتائج تلك الزيارة إما حوارا يغير الرأي أو فرصة لإقناع الشخص المتردد أو الحائر بتغيير وجهة نظره. فقد تزور ربة الشعر على سبيل المثال أحد الشعراء كي تخبره بمادة جديدة أو مصدر جديد للإلهام، أو قد تقنع إحدى الآلهة تيليماخوس بالبحث عن والده. لدينا الآن العديد من اللغات الجديدة للعمليات النفسية التي لم تكن متاحة لدى الإغريق القدماء، بما فيها الصراع بين الروح والجسد في القرون الوسطى المسيحية أو الصراع الداخلي، والتحليل الذاتي والانعكاس لحركة الإصلاح الديني، والوعي الفرويدي بالدوافع غير المعترف بها. لكن الوصف الأقدم للعمليات العقلية يظل متاحا أيضا، وتتمتع خطابات الضمير بشبه واضح مع أكثر نماذج التفسير النفسي احتراما، والتي يتلقى فيها الشخص الذي يواجه مأزقا لا حل له زيارة من محاور مميز.
وما زال السؤال عالقا: لماذا يعبر عن زيارات الضمير في صورة أحاديث مباشرة؟ فكل من تلك الأمثلة الثلاثة يقدم الضمير بوصفه كيانا «حديا»، أي إنه يعمل في الداخل والخارج في آن واحد ويمتلك درجة مدهشة من المعرفة الداخلية والخارجية. وهكذا فإن الضمير يعمل مراقبا-مشاركا؛ حيث يتوسط بين النفس والعالم. والحديث هو الأداة المناسبة للقيام بدور الوساطة هذا ، فالوساطة بين النفس والآخر بالطبع هي المهمة الأساسية للحديث ذاته. وعندما نتحدث فإننا نقوي أنفسنا، حتى ونحن نستخدم اللغة لعرض تلك النفس على العالم. ويعد الفعل اللغوي نفسه ملكية عامة، يعبر الفجوة بين الداخل والخارج أو بين المتحدث والمخاطب. وكما قال الفيلسوف الألماني هيجل في مؤلفه الذي يحمل عنوان «علم ظواهر الروح» (1807):
الحديث هو الوعي بالذات الذي يبقى لدى الآخرين ... إنه الذات - وقد قسمت نفسها إلى قسمين - التي تصبح موضوعية حيال نفسها ... محافظا على نفسه كتلك الذات بقدر ما يندمج في الحال مع الآخرين ويصبح وعيهم بذواتهم.
يمكننا تطبيق وصف هيجل للحديث بأنه «الوعي بالذات الذي يبقى لدى الآخرين» بنفس الدقة على الضمير وكل ما لاحظناه عنه حتى الآن. فالضمير - كالحديث نفسه - يربط بين الذات الخاصة والعامة. لذلك، فإن الحديث هو الوسط الطبيعي للتعبير عنه.
Página desconocida