فدخل إلى منزله وغير ثيابه ثم خرج منه وذهب توا إلى المكان الذي جرت فيه المبارزة، وهو عازم على أن يطرق جميع الأبواب، ويلج جميع المنازل، وينفق على رشوة الخادمات كل ما يملكه من المال في سبيل الوصول إلى معرفة الفتاة التي رآها.
فلما وصل إلى المكان المعهود رأى أبوابا كثيرة، ومنازلا متعددة، وهي متلاصقة متشابهة.
وفيما هو يفكر بأيها يبدأ، وأيها يطرق، إذ بصر فرأى رجلا قادما إليه عن بعد يحمل مصباحا، فتأهب له وظن أنها مكيدة ثانية قد نصبها له أعداؤه، وكمن له في عطفة من الطريق، حتى إذا دنا منه ولم يعد بينهما غير مسافة قليلة، أجفل الكونت منه إذ سمعه يقول وهو يمشي بخطوات موزونة: سبعة وتسعون، ثمانية وتسعون، تسعة وتسعون، أربعمائة.
وهكذا كان يواصل العد تباعا، فظنه الكونت سكران أو أن به جنة، فدنا منه ولم يكد يتبين ملامحه حتى ذعر وانذهل إذ رآه معصوب العينين، فقرب منه وسار وراءه بحيث لا يشعر به، فاستمر الرجل في مسيره وعد حتى انتهى إلى لفظ عدد ثلاثة وسبعين، فوقف ورفع العصابة عن عينيه وقال: هذا هو المنزل بعينه من غير بد.
ولكنه لم يلبث أن رآه حتى أعاد العصابة إلى عينيه، وعاد إلى المسير والعدد حتى انتهى إلى العدد خمسمائة وثلاثة وتسعين، فرفع العصابة عن عينيه وفحص باب المنزل الذي وجد أمامه، فقال: الآن قد وصلت، وهذا هو الباب بعينه.
أما الكونت فإنه قبض على يده التي يحمل فيها المصباح، وقربها من وجهه فتأمل فيه مليا وقال: ألست ذاك الطبيب؟
فذعر الرجل وقال: نعم، وأنت ألست ذاك المريض؟ - نعم، أنا هو، وما أسعدني بهذه اللقيا التي صحت بها أحلامي، وتأكد لي أن ما رأيته كان حقيقة لا حلما.
ثم قص عليه أمر مبارزته مع أعدائه، وكيف أنه جرح ووجد نفسه في منزل كان فيه صبية فتانة وعجوز وطبيب ضمد له جرحه، وقد رآه دخل إلى المنزل معصوب العينين.
فحكى له الرجل بأنه ذاك الطبيب، وأنهم أحضروه من منزله معصوب العينين، وردوه إليه كذلك، فعلم أن في الأمر سرا وعد خطواته في الذهاب والإياب حتى لا يتيه عن المنزل متى أراد الرجوع إليه، وأنه لم يأت في هذه الليلة إلا لبغية كشف هذا السر لأنه فقير، وقد أحب أن يستفيد من هذه الغوامض، فطيب قلبه الكونت ووعده بالمال الجزيل، ثم عرفه بنفسه وأخبره أنه جاء للغاية نفسها.
وعينه من تلك الليلة في خدمته، وجعل بعدها يذكر له كل ما رآه في ذاك المنزل مما كان يعتقد أنه حلم.
Página desconocida