Sangre y Justicia: La historia del médico parisino que marcó la historia de las transfusiones de sangre en el siglo XVII
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Géneros
كان يزعم أن الطب يمكنه علاج الأمراض، لكنه في هذه الحالة سيعالج السلوك المنفلت من خلال تغيير طباعه. فقد كانت هذه محاولة لتغيير طبيعته ذاتها. وما كان سيسبب صدمة أكبر هو أن هؤلاء الأطباء المجربين فكروا أن يفعلوا ذلك بإدخال كميات قليلة من دم عجل في جهازه الدوري. وبعمل ذلك أرادوا أن يدخلوا روح العجل البريئة الطيعة الهادئة والمحبوبة في مجملها في جسد هذا المشرد سيئ السمعة. لكن إذا نجحوا، فهل سيظل إنسانا أم أنه سيصبح هجينا؛ نصف إنسان ونصف عجل؟
المناقشة المماثلة لذلك في القرن الحادي والعشرين تدور حول نقل الجينات من أحد الأنواع إلى نوع آخر، حيث تطرح سؤالا عن عدد الجينات التي يجب نقلها من خنزير إلى إنسان قبل أن يصبح الإنسان نصف خنزير. أو العكس: كم عدد الجينات التي يجب نقلها من إنسان إلى خنزير قبل منح الخنزير حقوق الإنسان؟ ثمة تشابه كبير بالفعل بين الحالتين؛ نقل الجينات ونقل الدم. ففي القرن السابع عشر، كان دوني وزملاؤه يعتقدون أن الدم مكون أساسي من ماهية الإنسان. أما العلم الحديث، فيعتبر التناسل عملية خلط للجينات. وفي ضوء هذه الرؤية تصبح الجينات هي المكافئ الحديث للدم.
توازن الأمزجة
كانت تسوية الأمر من الناحية الأخلاقية لضمان درجة عالية نسبيا من الأمان من خطر استنكار رجال الدين إحدى المشكلات التي واجهت دوني. لكن، كان عليه أن يعيد النظر أيضا في طرق العلاج التي تبناها الأطباء وقتها. فقد كان إخراج الدم من الجسم هو ما يتقنونه وليس إدخاله. وكان هذا عصرا ساده فن وحرفة الفصد. ومع أن كثيرا من أعضاء المجتمع العلمي كانوا سيخسرون على الأرجح أسباب رزقهم إن نجحت أفكاره، لم يكن أي شخص على يقين مما إذا كانت نظرية نقل الدم توافق - أو تعارض - نظرية الصحة والمرض والدم القائمة.
لفهم الطبيعة الثورية لفكرة دوني، علينا أن نتوقف للحظة وننظر إلى التصور السائد عن الدم. ففي منتصف القرن السابع عشر، كان الناس لا يزالون متأثرين بالعقلية الفلسفية التي نشأت في بلاد الإغريق. وفي القرن الثالث عشر قبل الميلاد، علم الطبيب الإغريقي أسقليبيوس تلاميذه أن كل الأمراض منبعها المشكلات الروحية، وأن علاجها يكون بالصلاة وتقديم القرابين للآلهة. إلا أنه بحلول القرن السادس قبل الميلاد أخذت أفكار جديدة في الظهور.
أما المفكرون من أمثال فيثاغورس والطبيب ورجل الدولة إمبيدوقليس فكانوا مولعين بالرقم أربعة. فقد كانوا مقتنعين أن هذا الرقم يحوي قوة كبيرة لأن الكون كله كان مبنيا بأجزاء مكونة من أربعة عناصر. وقد تغلغل مفهوم الأقسام رباعية الأجزاء هذا في عمل أفلاطون. فقد اعتقد أن كل المخلوقات تنتمي إلى واحد من أربعة أنواع؛ أولا: هناك الآلهة الأصلية، ثم أبناء الآلهة الذين خلقهم الصانع الأول. وثانيا: هناك رجال ونساء بسطاء العقول لكن غير عدوانيين، وهؤلاء كانوا يتحولون إلى طيور. ثم هناك ضعاف الإدراك العاجزون عن التفكير المعقد ويتحولون إلى حيوانات. رابعا: يتحول أشد الرجال والنساء جهلا إلى سحال وثعابين، أما الأغبياء حقا فكانوا يتحولون إلى أسماك ومحار. لقد استمرت هذه العقلية في الواقع؛ إذ نتحدث عن عصور الإنسان الأربعة، ونقسم السنة إلى أربعة فصول، ونقسم الساعة إلى أرباع.
وافترض هؤلاء الفلاسفة الإغريق أنه بما أن البشر جزء من الكون أو العالم فإن جسم الإنسان (العالم الصغير) يجب أن يعمل مثل كل ما سواه (العالم الكبير). ومن ثم شعروا أن أي تفسير لكيفية عمل الجسم السليم يجب أن ينبني على نظام مادي مكون من أربعة أجزاء، وأن مناقشة أي مرض يجب أن تضع في اعتبارها فهم المواد الأولية الأربعة؛ التراب والهواء والنار والماء.
ورأى الفلاسفة من أمثال فيثاغورس وإمبيدوقليس أن هذه العناصر تمثل خصائص الحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف. فالأرض مثلا تكونت بخلط البرودة والجفاف، والنار خليط من الحرارة والجفاف. علاوة على ذلك، فقد رأوا أن طبع الإنسان وذكاءه وإدراكه الحقيقة كان يخضع لنسب التراب والهواء والماء والنار في جسمه. وعليه فقد كان هناك تصور عن الصحة وممارسة الطب يقوم على فكرة معالجة اختلال التوازن المحسوس في تركيب الإنسان.
وفي القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، دمج أبقراط وأتباعه من الأطباء الأبقراطيين فكرة العناصر الأربعة الأساسية مع فكرة أخرى شائعة؛ وهي الأمزجة أو الأخلاط. فعندما يؤكل الطعام فهناك عناصر فيه لا يمكن هضمها ولا يستفيد الجسم منها. وإذا لم يتم التخلص من هذه «الأخلاط» فستتراكم وتسبب المرض. اعتقد الأبقراطيون في البداية بوجود خليطين؛ العصارة والبلغم. ثم قسمت العصارة إلى نوعين: الصفراء والسوداء؛ لتصبح الأخلاط ثلاثة. إلا أن الأخلاط إن وجدت فيجب أن تكون أربعة. وبعد كثير من التأمل والحيرة، قرر الأطباء إضافة الدم إلى القائمة. وكان الدم مختلفا عن الأخلاط الثلاثة الأصلية في أنه - على عكس العصارة السوداء والصفراء والبلغم - كان له تأثير إيجابي على الجسم. أما عن مصادر كل منها داخل الجسم، فالبلغم كان مصدره الدماغ، بينما ينبع الدم من القلب، أما العصارة السوداء فينتجها الكبد، والعصارة الصفراء ينتجها الطحال.
وهكذا بدأ الدم يلعب دورا أساسيا، ليس لأنه أحد الأخلاط الأربعة فحسب، بل لأنه نسبت إليه أيضا مهمة الحفاظ على التوازن الحيوي للجسم؛ أي الحفاظ على الكميات المناسبة من الهواء والماء والتراب والنار. وكان الدم يقوم بوظيفته عن طريق اتصاله بالمسام التي اعتقد أنها موجودة على السطح الخارجي للجسم. فكانت هذه المسام تتيح للعناصر الأربعة أن تنتقل من الدم وإليه، ثم يتحرك الدم بدوره داخل الأنسجة والأعضاء في مركز الجسم ليعيد التوازن إلى أي منطقة تعاني من الخلل في ذلك الوقت. والأهم أن الدم كان يضمن استمرار التوازن في محيط القلب؛ مركز تفكير الإنسان.
Página desconocida