فمن استدل بهذا الحديث على دعاء الأموات لزمه أن يقول: إن دعاء الأموات ونحوهم، إما مستحب أو مباح؛ لأن لفظ الحديث "فليناد" وهذا أمر أقل أحواله الاستحباب أو الإباحة. ومن ادعى أن الاستغاثة بالأموات والغائبين مستحب أو مباح فقد مرق من الإسلام.
فإذا تحققت أن الرسول ﷺ لا يأمر من انفلتت دابته أن ينادي من لا يسمعه ولا قدرة له على ذلك، وكما دل عليه قوله: " فإن لله (١) حاضرا" تبين لك ضلال من استدل به على دعاء الغائبين والأموات الذين لا يسمعون ولا ينفعون، وهل هذا إلا مضادة لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس:١٠٦] ﴿وَ(٢) الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِ ير إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر:١٣-١٤] وقوله: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف:٥]، وقال: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء﴾ [الرعد:١٤] . فهذه الآيات وأضعافها نص في تضليل من دعا من لا يسمع دعاءه ولا قدرة له على نفعه ولا ضره، ولو قدر سماعه فإنه عاجز.
فكيف تترك نصوص القرآن الواضحة وترد بقوله: "يا عباد الله احبسوا" مع أنه ليس في ذلك معارضة لما دل عليه القرآن ولا شبهة معارضة ولله الحمد.
_________
(١) وقع في المطبوعة (فإن الله..) .
(٢) وقع في المطبوعة والمخطوطة (إن) وهو خطأ.
1 / 45