وانتظر الجلاد نحو خمس دقائق بعد المدفع، حتى إذا ظن أن البابا قد أتم صلاة المغفرة وتأهبت بياتريس للموت أدار اللولب فسقط النصل.
ورأى الناس إذ ذاك أمرا عجبا؛ رأوا جسم الفتاة بعدما فارقته الرأس، وقد رجع القهقرى كأن يدا تدفعه إلى الوراء.
وأخذ الجلاد الرأس والجثة، وأراد أن يودعهما تابوتهما، ولكن تلقفهما منه الرهبان، فأفلت من أيديهم الجسم، وسقط في الأرض فتعرى وتلطخ بالتراب والدم، فاضطروا أن يغسلوه قبل أن يودعوه التابوت.
وأثر ذلك المشهد في نفس برناردينو، فغشي عليه لثالث مرة، ولم يستطيعوا أن يفيقوه إلا بإسقائه نبيذا.
وأتى دور جاك فهب وقد تلطخت ثيابه من دماء أخته وامرأة أبيه، واقترب منه الجلاد فنزع عنه رداءه فانكشف للحاضرين صدره، وفيه من كي النار آثار، والتفت جاك إلى أخيه قائلا: «برنار، لقد اتهمتك ظلما وعدوانا في إجابتي الأولى، ومع أنني كذبت ما قلت أخيرا إلا أنني أشهد الله الآن وأنا بين يديه أنك بريء، وأنهم ظلموك ظلما مبينا بإكراهك على أن تشهد مقتلنا.»
واقترب الجلاد من جاك فدعاه أن يجثو على ركبتيه، ثم ربط ذراعيه في عامودي الآلة، وستر عينيه، ثم ضربه على رأسه بدبوس، ثم ألقى جسمه وشطره أربع قطع على مرأى من الحاضرين.
ولما انتهى القوم من تلك المشاهد الوحشية انفضوا، وعادوا ببيرنار للسجن وقد تولته حمى محرقة، فأرقدوه على فراشه بعد أن فصدوا ذراعه.
وكان برنار (وتصغيره: برناردينوا للتمليح) على صورة أخته بياتريس في الخلقة، حتى إنهم لما صعدوا به إلى آلة الإعدام ظنه الحاضرون أختها.
وعرضت جثتا بياتريس وامرأة أبيها في تابوتهما تحت تمثال القديس بولس في مدخل جسر سانتانج إلى الساعة الرابعة مساء، وقد أوقدت حولهما الشموع، ثم رفع التابوتان في الساعة التاسعة، فزين تابوت الفتاة بالزهور، وسار في موكب حافل منه الرهبان والراهبات حتى ووريت حيث اختارت تحت مذبح كنيسة القديس بطرس بن مونتاريو، وحملت جثة لوكريزيا إلى كنيسة سان جورج كما أوصت.
وكان ذلك اليوم يوم حر شديد ازدحمت فيه العربات والناس في ساحة الإعدام حتى أغمي على بعضهم فيه من شدة الزحام، وأصيب قوم بالحمى، ومات قوم من لفحة الشمس، وقد لبثوا معرضين لأشعتها المحرقة ثلاث ساعات.
Página desconocida