وكان هذا العذاب الأليم لا يعذبه إلا من كانت الجريمة ثابتة ضده، وكانت من الجرائم الفظيعة، كما لو كانت جريمة قتل، وكان المجني عليه فيها شخصا واجب الاحترام أو التقديس، كأن يكون أبا للقاتل أو كردينالا أو أميرا أو عالما.
وقد سبق لنا القول بأن بياتريس عذبت العذابين العادي وغير العادي، فلنأت هنا على صورة من محضر التعذيب منقولة من أوراق القضية المحفوظة بالفاتيكان:
ولما أنكرت «بياتريس» أمرنا جنديين فأخذاها إلى غرفة التعذيب، حيث حلقت شعورها ثم ربطت يداها وراء ظهرها، وعلقت في بكرة في سقف الغرفة المذكورة، ثم ربطت رجلاها إلى عجلة يديرها رجلان بأربعة من القضبان.
وسألناها قبل تعذيبها عن قتل أبيها، وقدمنا لها اعتراف أخويها وامرأة أبيها موقعا عليه منهم، فما زالت مصرة على الإنكار، وقالت: «شدوني وافعلوا بي ما شئتم؛ فقد قلت لكم الحق، ولن أقول غير ما قلت ولو قطعتموني إربا.»
وعلى ذلك أمرنا بشدها، فرفعت عن الأرض قدمين مسافة أن تلونا قطعة من الصلاة، ثم أعدنا سؤالها عن تفاصيل ذلك المقتل وظروفه، فلم تزد عما قالته وقالت: «إنكم تقتلونني، إنكم تقتلونني.»
وأمرنا فرفعت إلى أربعة أقدام وتلونا صلاة أخرى، ولكن ما كدنا نصل إلى نصفها حتى تظاهرت بأنه أغمي عليها، فأمرنا فسكب فوق رأسها وعاء من الماء، فلما أحست ببرودة الماء تنبهت، وصاحت قائلة: «رباه! لقد مت، إنكم تقتلونني، يا رباه!» ولم ترد أن تزيد شيئا.
فأمرنا فرفعت أيضا، وأخذنا في تلاوة مزمور من المزامير، فلم تتله معنا، وأخذت تتلوى وتصيح مرارا قائلة: «يا رباه! يا رباه!»
وسألناها بعد ذلك عن قتلها لأبيها، فلم تشأ أن تعترف لنا بشيء، بل قالت: إنها بريئة، ثم أغمي عليها في الحال.
فأمرنا بأن يصب على رأسها ماء، فأفاقت لنفسها وفتحت عينيها، وقالت: «ألا لعنة الله عليكم أيها الجلادون، إنكم تقتلونني إنكم تقتلونني.»
ولما رأيناها مصرة على العناد والإنكار أمرنا بهزها، فرفعها الجلاد إلى عشرة أقدام ونصحناها أن تقول الحق، ولكن كأنها فقدت الكلام أو لم تشأ أن تتكلم ، فأشارت برأسها أنها لا تريد أو لا تستطيع أن تقول شيئا.
Página desconocida