دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
Editorial
مكتبة ابن تيمية - القاهرة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م
Ubicación del editor
توزيع
Géneros
فَإِذَا حَقَّقْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ قُلْتَ وَطَعَامُ الْمُؤْتِينَ الْكِتَابَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَفْهُومَ اسْمِ الْمَفْعُولِ مَفْهُومُ لَقَبٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرٍ هُوَ الْمُصْدَرُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّصِفُ بِهِ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا ذَكَرُوا فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ.
فَظَهَرَ أَنَّ إِيتَاءَ الْكِتَابِ صِفَةٌ خَاصَّةٌ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي إِبَاحَةِ طَعَامِهِمْ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ، فَادِّعَاءُ أَنَّهَا مَفْهُومُ لَقَبٍ سَهْوٌ ظَاهِرٌ.
وَظَهَرَ مِنَ التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمَفْهُومَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَفْهُومُ عِلَّةٍ وَمَفْهُومُ الْعِلَّةِ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ، فَالصِّفَةُ أَعَمُّ مِنَ الْعِلَّةِ وَإِيضَاحُهُ كَمَا بَيَّنَهُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تَكُونُ مُكَمِّلَةً لِلْعِلَّةِ لَا عِلَّةً تَامَّةً كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ فَإِنَّ عِلَّتَهُ لَيْسَتِ السَّوْمَ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَتْ فِي الْوُحُوشِ لِأَنَّهَا سَائِمَةٌ وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ مِلْكُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى وَهِيَ مَعَ السَّوْمِ أَتَمُّ مِنْهَا مَعَ الْعَلْفِ وَهَذَا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ.
وَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الصَّوَابُ.
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْمَفْهُومَ بِنَوْعَيْهِ مِنْ مُخَصَّصَاتِ الْعُمُومِ، أَمَّا تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ.
وَمِمَّنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ: الْآمِدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ، وَدَلِيلُ جَوَازِهِ أَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا.
وَمِثَالُهُ تَخْصِيصُ حَدِيثِ: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ أَيْ يُحِلُّ الْعِرْضَ بِقَوْلِهِ مَطَلَنِي وَالْعُقُوبَةَ بِالْحَبْسِ فَإِنَّهُ مُخَصَّصٌ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الَّذِي هُوَ الْفَحْوَى فِي قَوْلِهِ: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [١٧ ٢٣]، لِأَنَّ فَحْوَاهُ تَحْرِيمُ أَذَاهُمَا فَلَا يُحْبَسُ الْوَالِدُ بِدَيْنِ الْوَلَدِ.
وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَرْجَحُ مِنْهُ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ بِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا.
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ، وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَحُجَّةُ
1 / 84