دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
Editorial
مكتبة ابن تيمية - القاهرة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م
Ubicación del editor
توزيع
Géneros
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ.
أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْقُرْءَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِشَارَةَ الْبَعِيدِ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ فِي آيَاتٍ أُخَرَ إِشَارَةَ الْقَرِيبِ كَقَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [٧١ ٩]، وَكَقَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْآيَةَ [٢٧ ٧٦] .
وَكَقَوْلِهِ: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ [٦ ٩٢] .
وَكَقَوْلِهِ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ [١٢ \ ٣] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ أَوْجُهٌ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَا حَرَّرَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْبَلَاغَةِ مِنْ أَنَّ وَجْهَ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِإِشَارَةِ الْحَاضِرِ الْقَرِيبِ، أَنَّ هَذَا الْقُرْءَانِ قَرِيبٌ حَاضِرٌ فِي الْأَسْمَاعِ وَالْأَلْسِنَةِ وَالْقُلُوبِ، وَوَجْهُ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِإِشَارَةِ الْبَعِيدِ هُوَ بُعْدُ مَكَانَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ مِنْ مُشَابَهَةِ كَلَامِ الْخَلْقِ، وَعَمَّا يَزْعُمُهُ الْكُفَّارُ مِنْ أَنَّهُ سِحْرٌ أَوْ شِعْرٌ أَوْ كِهَانَةٌ أَوْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: الم، وَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ إِشَارَةَ الْبَعِيدِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ مُنْقَضٍ، وَمَعْنَاهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْقَرِيبُ لِقُرْبِ انْقِضَائِهِ، وَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا بِالرَّجُلِ يُحَدِّثُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ لَهُ مَرَّةً: وَاللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَكَمَا قُلْتُ، وَمَرَّةً يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَكَمَا قُلْتُ، فَإِشَارَةُ الْبَعِيدِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَضَى وَانْقَضَى، وَإِشَارَةُ الْقَرِيبِ نَظَرًا إِلَى قُرْبِ انْقِضَائِهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا أَشَارَتْ إِلَى الْقَرِيبِ إِشَارَةَ الْبَعِيدِ، فَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى
أُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ خُفَافِ بْنِ نُدْبَةَ
1 / 5