دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
Editorial
مكتبة ابن تيمية - القاهرة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م
Ubicación del editor
توزيع
Géneros
أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِمْ هُمْ خُصُومُكُمْ وَأَعْدَاؤُكُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [٩ ٣٦]، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَهَذَا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ ظَاهِرٌ حَسَنٌ جِدًّا، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ الْبَالِغَةِ فِي التَّشْرِيعِ، أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ تَشْرِيعَ أَمْرٍ عَظِيمٍ عَلَى النُّفُوسِ رُبَّمَا يَشْرَعُهُ تَدْرِيجًا لِتَخِفَّ صُعُوبَتُهُ بِالتَّدْرِيجِ، فَالْخَمْرُ مَثَلًا لَمَّا كَانَ تَرْكُهَا شَاقًّا عَلَى النُّفُوسِ الَّتِي اعْتَادَتْهَا، ذَكَرَ أَوَّلًا بَعْضَ مَعَائِبِهَا بِقَوْلِهِ: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [٢ ٢١٩] .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَرَّمَهَا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى الْآيَةَ [٢ ٤٣] .
ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْنَسَتِ النُّفُوسُ بِتَحْرِيمِهَا فِي الْجُمْلَةِ حَرَّمَهَا تَحْرِيمًا بَاتًّا بِقَوْلِهِ: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [٥ ٩٠] .
وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ لَمَّا كَانَ شَاقًّا عَلَى النُّفُوسِ شَرَعَهُ أَوَّلًا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ ثُمَّ رَغَّبَ فِي الصَّوْمِ مَعَ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [٢ ١٨٤]، ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْنَسَتْ بِهِ النُّفُوسُ أَوْجَبَهُ إِيجَابًا حَتْمًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الْآيَةَ [٢ ١٨٥] .
وَكَذَلِكَ الْقِتَالُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ شَاقٌّ عَلَى النُّفُوسِ، أَذِنَ فِيهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ بِقَوْلِهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا الْآيَةَ [٢٢ ٣٩] .
ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ مَنْ قَاتَلَهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْنَسَتْ نُفُوسُهُمْ بِالْقِتَالِ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ إِيجَابًا عَامًّا بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ الْآيَةَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ الصَّوَابُ، أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ مَعْنَاهَا: قَاتِلُوا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، أَيْ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ
1 / 31