- كتاب عثمان إلى عامله بمصر (١) بقتل محمد بن أبي بكر:
جاء المصريون يشكون من ابن أبي سرح، فكتب إليه عثمان كتابًا يتهدده فيه، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان، وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من أهل مصر فقتله، فخرج من أهل مصر جماعة فنزلوا المسجد وشكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم فقال طلحة بن عبيد اللَّه، فكلم عثمان بكلام شديد وأرسلت عائشة ﵂ إليه فقالت: تقدم إليك أصحاب رسول اللَّه وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت، فهذا قد قتل منهم رجلًا فأنصفهم من عاملك، ودخل عليه عليّ بن أبي طالب فقال: إنما يسألونك رجلًا مكان رجل وقد ادعوا قِبَلَه دمًا، فاعزله عنهم، واقض بينهم فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه. فقال لهم: اختاروا ⦗١٦٧⦘ رجلًا أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر. فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر فكتب عهده وولاَّه.
ويقال: إن بعض أهل المدينة من مبغضي عثمان حرَّض مروان بن الحكم أن يكتب عن لسانه كتابًا إلى والي مصر بقتل محمد ورفاقه وأرسلوا الكتاب مع غلام لعثمان. فسار الغلام على بعير يسرع في مشيه. فلما خرج من المدينة وبلغهم سألوه عن وجهته، فقال: أنا غلام أمير المؤمنين. قالوا: أمعك كتاب؟. قال: لا. ففتشوه، فوجدوا الكتاب في أنبوبة من الرصاص، ففتحوه، فإذا فيه: "إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل في قتلهم، وأبطل كتابه، وقرّ على عملك حتى يأتيك رأيي في ذلك إن شاء اللَّه تعالى".
فلما قرأ محمد الكتاب رجع إلى المدينة مع من معه والغلام، ودخل على عثمان ومعه عليّ بن أبي طالب. فقال عليّ: هذا الغلام غلامك؟. قال: نعم، والبعير بعيرك؟ قال: نعم. قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟. قال: لا واللَّه ما كتبت هذا الكتاب، ولا أمرت به، ولا علم لي به. قال عليّ: والخاتم خاتمك؟. قال: نعم. قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم؟. فحلف أنه لا يعلم شيئًا من ذلك. فقال عليّ: لا يحلف عثمان إلا صادقًا فهو بريء من هذا الأمر. ولكنهم عرفوا أن الخط خط كاتبه مروان بن الحكم، وكان عنده في الدار فسألوه أن يدفعه إليهم فأبى خوفًا عليه أن يقتل. فطلب إليه المصريون أن يخلع نفسه فأبى، فارتفعت الأصوات. فقام عليّ وأخرج المصريين وخرج معهم، ثم رجع المصريون، وانضم إليهم أشياعهم، فحاصروه في داره ومنعوه الماء.
وجاء في الطبري (٢) أنهم وجدوا في الكتاب: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. أما بعد، فإذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس فاجلده مائة جلدة، واحلق رأسه ولحيته، وأطل حبسه حتى يأتيك أمري، وعمرو بن الحمق فافعل به مثل، وسودان بن حمران مثل ذلك، وعروة بن النباع الليثي مثل ذلك".
فلما كلمه المصريون في ذلك قال:
"واللَّه ما كتبت، ولا أمرت، ولا شوورت، ولا علمت". فقال المصريون: فمن كتبه؟. قال: لا أدري. قال: أَفَيُجترأ عليك فيُبعث غلامك، وجمل من صدقات المسلمين، ويُنقش على خاتمك، ويُكتب إلى عاملك بهذه الأمور العظام وأنت لا تعلم؟! قالوا: فليس مثلك بوَلي. اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك اللَّه منه، قال: لا أخلع قيمصًا ألبسنيه اللَّه ﷿ (٣) ⦗١٦٨⦘.
وعلى كل حال أنكر عثمان علمه بالكتاب، وتبرأ منه، وحلف أنه لا يعلم شيئًا عنه، ولا بدَّ أنه صادق، وأن الكتاب مفتعل.