ثم سافر إلى باريس ليزور معرضها الكبير سنة 1899، فالتقى في منخ بالشاه ناصر الدين عائدا من باريس، وما زال الشاه يزين له العودة إلى فارس حتى لان شماسه وأجاب الدعوة.
وقد سارع الشعب الإيراني إلى الالتفاف حول السيد من جديد، على وجه أبعث للمهابة وأدل على الحب والثقة، ولم يقتصر أمر مؤثريه على سماع مسامراته التي كان يبث فيها معارفه وأفكاره الحرة، بل جعل الشعب يتوسل به إلى تحقيق مطامحه في إصلاح الإدارة وإقامة العدل والقانون، وبدت نهضة إصلاح يكرهها الصدر الأعظم ويخشى عواقبها على سلطانه، فوسوس للشاه حتى غير قلبه على السيد.
هنالك خرج جمال الدين إلى «شاه عبد العظيم»، وهو مكان على بعد عشرين كيلو مترا من طهران به مقام مقدس، لكنه لم يخلد إلى راحة هناك ولا سكون، بل جعلت طوائف المستنيرين من الطبقات المختلفة حتى طبقات الشبان من الضباط تشد رحالها إلى «شاه عبد العظيم».
أدرك الشاه ناصر الدين الفزع، وخاف أن تزلزل تلك الحركة قواعد سلطانه المطلق، فبعث إلى جمال الدين بخمسمائة من فرسانه مدججين بالسلاح اقتحموا عليه - وهو عليل في فراشه - وقاده خمسون منهم إلى ما وراء الحدود.
أقام جمال الدين في البصرة زمنا حتى أبل من سقامه، ولم يزل يوالي أنصاره في فارس بكتبه؛ يثير فيهم الحمية ويؤجج بين جوانحهم نار الوطنية، وكأن ما ناله من عسف الشاه قد أثار حفيظتهم.
وفي سنة 1890 كانت حكومة فارس جعلت حق احتكار التنباك لشركة إنجليزية، فاغتنم الفرصة السيد جمال الدين وكتب خطابا لميرزا حسن الشيرازي رئيس المجتهدين، يعيب فيه على الحكومة هذا العمل الضار بثروة البلاد الممكن لأعدائها.
وكان من أثر هذا الخطاب أن أصدر المجتهد الشيرازي فتوى حرم بها على كل مؤمن تدخين التنباك ما لم تعدل الحكومة عن مشروعها، وقد اضطرت إلى العدول عنه ودفعت للشركة تعويضا.
وكذلك قويت دعوة الحرية والإصلاح الدستوري في فارس، حتى طاحت بعد برأس الشاه ناصر الدين.
وفي سنة 1892 ذهب السيد إلى لوندرا مرة أخرى وأقام فيها ثمانية أشهر، موجها كل همته إلى محاربة الشاه ناصر الدين بقلمه ولسانه، داعيا إلى تخليص الشعب الفارسي من ظلم الحكم الاستبدادي، وكان من المؤسسين للمجلة الشهرية «ضياء الخافقين» التي كانت تصدر بالعربية والإنجليزية، وكان من أكثر العاملين فيها نشاطا.
وأرسل السلطان عبد الحميد إلى السيد جمال الدين بوساطة سفير تركيا في لوندرا كتابا خلابا؛ يستدعيه إلى الأستانة، فتردد السيد واعتذر، لكن السلطان وجه إليه رسالة ثانية أكثر خداعا ودهاء، فأجاب برسالة برقية أنه ملب دعوة صاحب الجلالة، على أن يؤذن له بالعودة إلى أوروبا عقب الحظوة بالمقابلة.
Página desconocida