171

عهد بين وزارتي فرنسا وإنجلترا، تواطأنا عليه؛ ليكون موضوع البحث في المؤتمر، وأشرنا إلى أن غايته تنازل فرنسا عن جميع حقوقها في مصر ونفض يديها من كل مصلحة لها فيها، والاعتراف لإنجلترا بالسيادة عليها وإن لم تذكر حروف السيادة، وهذا ما يحتوي عليه من المواد:

الأولى:

أن يستمر حلول الجيش الإنجليزي في الأراضي المصرية إلى أول يناير سنة 1888 (ثلاث سنوات ونصف)، ثم لا يخليها إلا بعد انعقاد مؤتمر جديد من نواب الدول العظام يتفقون فيه على أن الإخلاء لا يضر بالنظام الداخلي لمصر ولا بالعلاقات السياسية بين الدول، فإن حصل اختلاف ولو من دولة واحدة ترى ضرورة إطالة المدة كان الخيار لدولة إنجلترا في الجلاء أو البقاء.

دولة إنجلترا هي الدولة التي أطلقت مدافعها على مدينة الإسكندرية والمؤتمر منعقد

1

في الأستانة من رجال الممالك العظيمة وفيهم نائب فرنسا، ولم توقر المؤتمر ولم تراع حرمة الدولة ولم تتفق مع واحدة منها على العمل الذي باشرته، فهل يعجزها في خلال هذه المدة الطويلة أن تستميل دولة من الدول إليها، حتى إذا انعقد المؤتمر بعد ثلاث سنوات ونصف ذهبت إلى أن إخلاء القطر المصري من العساكر الإنجليزية يخشى منه على نظام البلاد أو سلم أوروبا، فيكون حجة لإنجلترا في إطالة المدة وإن خالفها بقية الدول ومنطوق الشرط يؤيد حجتها.

وكيف يمكن لبقية الدول إذا خالفت إحداها أن تلزم دولة بريطانيا بالخروج من ديار مصر بعدما غلت أياديها بتقرير هذا الشرط وكتبت على نفسها أن الجلاء لا يكون حتما إلا إذا اتفقت عليه جميع الدول!

السياسات في أوروبا سريعة الانقلاب، والمنافسات لا تقف عند حد يحيط به النظر، ومطامع كل من الدول لا تنتهي عند غاية، فليس ببعيد - بل هو أقرب من كل قريب - أن توجد دولة في دول أوروبا تشد عضد إنجلترا على دعوى أن إخلاءها لمصر يحدث هزة في سلام أوروبا، وربما تكون تلك الدولة هي الدولة القوية التي يصعب على سائر الدول مخالفتها، ولا تجد فرنسا عند ذلك موئلا تلجأ إليه سوى الرضاء والتسليم.

إذا فرضنا عجز إنجلترا عن استهواء دولة أوروبية توافقها على المكابرة في أحوال مصر، وأن سياسة أوروبا وقفت على حالتها في وقتنا الحاضر، وأن جميع الدول تحالفت على قول الحق، فهل تعجز دولة بريطانيا وهي هي عن أن تثير شغبا في بعض الأرجاء المصرية بأن تغري مالطيا بقبطي أو روميا بفلاح أو حمار، فتسيل قطرات من الدماء تخيل كل قطرة منها بحرا وتنادي أن للفتن مثارات وللعصيان أمارات والنظام في خطر ولها حق المحافظة عليه، إلى أن تنقلب أرض مصر جنة يكون فيها أمم العالم إخوانا على سرر متقابلين؟!

ولو اعتبر المسيو جول فري بالمعاهدات التي عقدتها إنجلترا مع السلطنة التيمورية وغيرها من ممالك الهند، وكيف أقدمت تلك الدولة على نقضها ولم تبال فيه بعهد ولا ذمة؛ لظهر له أن نقض روسيا لعهدها مع بولونيا ليس شيئا يذكر بالنسبة إلى حفظ إنجلترا لذممها مع تلك الممالك العظيمة.

Página desconocida