هل تخشون إذا قمتم بفروضكم أن يأتي الخطر على حياتكم؟! يمكن أن يعرض هذا الوهم بخيال طائفة منكم، ولكن فلتعلموا أن عدوكم في هذا الوقت ضعيف العزيمة خائر القوة، الدول متألبة عليه يترقب منها في كل آن مطالبته بنتائج أعماله ومحاسبته على عواقب تصرفه، ثم هو يخشاكم كما يخشى الدول أو أشد خشية، إنه مسرع في سيره منطلق إلى مقصده بغاية ما يمكنه؛ ليتخذ لنفسه قرارا مكينا، ومقرا أمينا، ولا يخفى عليكم أن المسرع في جريه يكبه على وجهه عثرة في مدرة، فلو ظهرت منكم في هذا الوقت مقاومة خفيفة، أو مؤاخذة طفيفة، أو تظاهرتم بالنفرة وعدم الرضاء عن سيره فيكم، وجهرتم بذلك، لرأيتهم أن ماءه سراب، وسحابه جهام، وسيفه كهام، وأوقفتم سيره واستعليتم بقوتكم على ضعفه، وأقمتم للدول حجة قوية في كبحه ورد جماحه، وإلزامه باحترام الحقوق العامة والخاصة، ونزع قوة العمل من يد استبداده، وتخويلها لسلطة تحفظ بها الموازنة بين حقوقكم وحقوق أوروبا كافة.
أما لو تركتم عدوكم حتى ينتهي لمقره، ويقوى على أمره، ويدوخ السودان، ويحيط بجيوشه أعالي البلاد المصرية - لا أناله الله ذلك - صعب بعد هذا تعريفه بقدره، وإيقافه عند حده، وضعفت حجة الدول في معارضته، إن أقوم حجة للدول عليه هي عجزه عن القيام بما كتب على نفسه من تقرير الراحة وإصلاح ما كان يظن من الخلل في مصر، فلو تمكن عدوكم بسكونكم من إظهار قدرته وإقامة الدليل على كفاءته للولاية عليكم، فقد فاز بالسيادة فيكم وأصبحت دماؤكم وأموالكم وجميع شئون حياتكم في قبضة جوره.
في إمكانكم الآن أن تضروا بعدوكم وليس في إمكانه أن يضر بكم، فإذا مضى زمن انعكست القضية وأصبحتم في عجز عن مقاومته وأصبح وفي يده عصا الجبروت لإذلالكم.
إن كنتم تخافون من الموت أو التذليل فهل هو الآن على بعد منكم؟! أليس يؤخذ منكم الأبرياء بالشبه الباطلة، ويهانون ويذلون وكثير منهم يقتلون؟! إن عدوكم هذا سيحاسبكم على خطرات قلوبكم وحركات دمائكم في أبدانكم، ويفعل بإخوانكم في ديار غير دياركم، ثم لا يبقي على أحد منكم، فأنتم اليوم أصحاب أمركم وهذا قصده إليكم، وفي إمكانكم أن تستعينوا الله في التحصن من خطر آجل، بدون ضرر عاجل، فإن شئتم فارحموا أنفسكم، وإلا فأنتم ساقطون، فيما منه تخافون.
يا قوم يؤثر في كتبكم من كلام سلفكم: الشجاع محب حتى لعدوه، والجبان مبغض حتى لأبيه وأمه، تعلمون أنه ما عز قوم بالخضوع، ولا استهين شعب بالإباء، لماذا تعدون أنفسكم في الدرجة الدنيا عمن سواكم؟! ألستم تتشابهون في الخلقة مع أعدائكم؟! ألستم تمتازون عنهم بالإيمان الصادق، والعقائد الصحيحة؟! ألستم تنتسبون إلى أولئك الأبطال الذي دوخوا البلاد وسادوا العباد؟! ألستم تدعون أنكم أشرف عنصرا وأكرم جوهرا، فإن قمتم بطلب حقوقكم فهل يصيبكم أكثر مما يصيب أعداءكم؟ إن كان الموت فهم يخشونه، إن كان الخسار فهم يرهبونه، إنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون.
لأي شيء يخاطر عدوكم بماله ودمه للتغلب على ما ليس له؟ ولأي سبب لا تقدمون بشيء من شهامتكم في حفظ ما هو لكم؟! إن هذا لشيء عجاب! هل نذكركم بقول شاعركم:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
ليس هذا مقام التذكير، وليس المكان مكان المباراة في المجد والمسابقة إلى معالي الأمور، إنما الكلام الآن في الدفاع عن الحياة وصيانة ضروريات المعيشة، فإن لم يستفزكم طلب العلا وسمو الهمم فليستفزكم تصور الشقاء المنتظر، الذي رأيتم بوادره ونعوذ بالله أن تدرككم أواخره، أستغفر الله، لا تزال ترجى فيكم النجدة والشمم والرفعة، لا يزال دينكم يترقب منكم حمية عليه وغيرة لدفع الغائلة عنه.
إن صاحب الدين
Página desconocida