Cunwan Zaman
Unwan al-Zaman fi Tarajim al-Shuyukh wa-l-Aqran
Géneros
فاق أهل العصر فى كل ما يكون المدح : نسبة العقل الوافر ، والاحتمال العظيم ، والشفقة على عباد الله ، والرحمة لهم ، على شدة اليقظة والحزم ، وسرعة الكتابة والكشف والفهم وقوة الحافظة وصحة الجسم وبسط البنان ، فهو عجب من عجبب ، كرمه متوال على سائر الأنام وكر الليالى ، لم يرفى زماننا أكرم منه .
حدثنى الشيخ تفى الدين المقريزى أنه شاهده يهب - وهو صبى أمرد - المئتى درهم الفضة دفعة انتهى ولم يزل يزدادكرما وإحسانا [وصدقة وإيثارا حتى أنه في السنة التى ختم فيها شرح البخارى أنفق ما ينيف على ألف دينار على الطلبة وأهل الخير وغيرهم شكرا لله تعالى على تلك النعمة ، نعم رأينا من يتكرم ويظهر علو الهمة لاستجلات الناس فإذا حصل له مراده من الدنيا قطع ذلك ، وأما شيخنا فهو لا يزداد مع العلو إلاكرما وتواضعا مع أحاد الطلبة ، وإحسانا إليهم ، حتى شاهدت بعض أصاغرهم يقول له عند البحث لا تسلم لما ترى من تواضعه .
رحلت إليه سنة أربع وثلاتين ولم أزل ملازما له حتى كتبت هذه الترجمة فى سنة ست وأربعين ، فأقسم بالله ما مرت بي سنة من تلك السنين .
إلا رأيتة ازداد فيها تواضعا على أنى لم أزدد له إلا مهابة ، يزيده السنن وقأرا ولينا ونفعا لعباد الله ، وبرا وصبرا على الطلبة ، جنابه مأوى طلات الفضائل والفواضل الذى إليه يلجأون وعليه يعولون ، وهو من غرائب الدهر في جميع أحواله ، لقد تقلت إلينا أخبار أهل عصرنا شرقا ومغربا ، واجتمعنا بغالب أعيانهم فلم نر من يقاربه ، لا تشغله دنياه - على اتساعها -. عن الاشتغال بالعلم والإفتاء والتصنيف والإسماع والتدريس وقيام الليل ، وتعرف الأخبار
ولا يشغله شىء من ذلك عن دنياه ، ما رأيت أحدا : شيخا ولا شابا إلا وهو يتعجب من أحواله ، ويشهد له بالبركة فى أوقاته ، وهو مع الحلم الزائد والتغافل عن الهفوات في غاية اليقظة والتثبت والحدس الصائب ، والنظر الثاقب ، فلا يسلم قياده لأحد في شع [مما هو تحت نظره لخبرته بأحوال أهل العصر وأخلاقهم ، ولا يخفى عليه ] شيء من فنون مكرهم ، وهو لاجل ذلك بديع الافعال في أحكامه وقضائه وجميع أحواله ، لا يستطيع أحد أن يغره فى شيء أصلا ولا أن يقرب من ذلك ، لايقبل كلام أحد في غيبة خصمه ، فهو أية في حسن القضاء ، ومعرفة دسائس الناس في كلامهم ، والاهتداء إلى قطع الأمور وله فى المناظرة مسلك غريب قل أن يثبت له ذلك أحد ، بلغنى أن علامة العصر قاضي القضاة شمس الدين البساطى كان يقول : [حيرنا هذا الرجل لانشرع في ذكر شع من العلوم أفنينا العمر فيها الأقهم المراد قبل تكميل الكلام ، ثم يبتدى فيه بعبارة أخرى بحيث يظن السامع المعنى غير المعنى ويتمم القول في ذلك بأرشق كلام وبلغنى أن الشيخ علاء الدين الرومى - الأتى ذكره . سثل في بلاد الروم عن شيخنا فقال : هو رجل إن أردين أن تحتج عليه بحجة مبنية على عشرين مقدمة ، ثم شرعت فى ذكر المقدمة الأولى فهم جميع تلك المقدمات وتلك الحجة ، وشرع في الجواب عن ذلك ولما مات السلطان الملك الاشرف وعائت مماليكه بالفساد ونابذوا السلطان الملك الظاهر جقمق ومن معه بالعداوة -لمأكان نظام الملك -
واحتيج إلى دخول القضاة في الإصلاح ظهرت حينئذ محاسن تصترفاته ، ورقض (3) الناس طربا لبدائع كلماته ، وبانت أثار عقله ، واتضحت دلائل متقن فعله ، ودبر المملكة بجليل أرائه ، واستفرع فى إصلاح ذات البين جهده ، وظهر بذلك عظيم صبره ، وحسن بلائه ، وثبت أساس الأمن بعد اختلاله ، وضم شمل المسلمين بعد انحلاله ، وهو مع القدرة على التعبير عما في نفسه بجواب سريع ، وقول بديع يأتى به مع كونه فى غاية الرشاقة ، محتملا بغير معنى ، قل أن يتكلم إلاعلى هذا النمط : البلاغة فيه سجية لا يتكلفها ، وكذا كتابته على القصض ، لايرد قضة إلا مكتوبا ، عليها تارة يمنع وتارة يعطى بعبارات متنوعة وإشارات مخترعة وقد صار إلى رياسة ضحمة ورفعة عظيمة وحشمة ، وهو زمام الناس الأن : رووس المفسدين بوجوده مطرقة ، وباعاتهم طول الأيام قصيرة لاسيما في نصر السنة والذب عن حماها ، لا يتجاسر أحد على رواية حديث بأطل ، وإن رواه أسرع الناس إلى استفتائه عليه فيتبين الحال فيخسر هناك المبطلون ، وينقمع الملحدون ، وكلامه في ذلك غاية المطالب ، ونهاية الرغايب ، أكب الناس ستة أزمان على التردد إليه ، والاستفادة مما لديه حتى ملأت تلامذته الأفاق ولا يحصون كثرة ، وأستروا في أرجاء الاقطارفلا يحيدون عنه ، يخالط الناس ويصبر على أذاهم وهو ممن سهل له الرسول بقوله والمؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذى لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم] رواه الطبالسى فى مسنده من حديث ابن عمر الذى أشار إليه إمامنا الشافعى مما كان يتمثل به أهين لهم نفسى لأثرمها بهم ولن تكرم النفس التى لا تهينها
فأصحابه لا يريدون به بدلا ولا يبغون عنه حولا ، لا يزيدهم طول الصحبة إلا تأكيد المحبة وذلك لحسن عشرته لهم ، فضلا عليهم بالمال والجاه وإفادة بالعلم والآداب ، وصبرا على هناتهم ، وتفافلا عن فلتاتهم وهقواتهم ، مستنا بما أشار الله سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام من قوله تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من خولك فاعف عنهم واستغقر لهم وشاورهم فى الأمر .
يخالق الناس بخلق حسن ويستجلب قلوبهم وموداتهم بلين الكلام ، ويستعبد رقات أحرارهم بالإحسان والصبر على الأذى لاسيما الغرباء ، فعلا لذلك شأنه ، واتضح برهانه ، وطارذكره فىي سائر الأقطار ، وبعد صيته فأنجد في كل أرض وأغار ، وساقرت بمصنفاته الركبان ، وتهاداها الملوك والأعيان ، ويطلبها أوفاد البلاد ، ويسوق إلى تخصيلها طلبة العباد كما قلت ذلك في قصيدتى العينية التى مدختة بها ، وأولها : خذوا من سلامى في الصبابة أودعوا فقلبى مشفوف فيه أو دعوا فقد أرسل المنصور صاحب تونس لشرح البخارى طالبا يتضرع وشاروخ أيضا نجل تيمرلنك قد أرادبه يحظى فيشفى وينفع وللناصر بن الأشرف الملك الذى زبيد به أضحت تعز وترفع بتذكرة قد زانها حسن جمعه جعالا ، كمالا ، نشره يتضوع وافتخر بلقائه الأكابر من سائر الأمصار ، وتمنى أهل البلاد النائية لو رأوه ولو فى الطيف السارى ومصنفاته تناهز مائة وخمسين مصنفا ، ولنذكرها لتطلب وتقرا وتكتب إن شاء الله . فأولها فى التقديم وأولاها بالتعظيم : شرح صحيح البخارى .
المسمى افتح البارى ، فى إثنى عشر مجلدا كبارا ، ومقدمته في مجلد ضخم يشتمل على جميع مقاصد الشرح . سوى الاستنباط
وكتاب تغليق التعليق . قصد فيه إلى وصل الأحاديث الموقوفة الواقعة في صحيح البخارى بأسانيد المصنف في كل منها، وهو قدر المقدمة ، وقد كمل هذا فى حياة كبار المشايخ ، وشهدوا بأنه لم يسبق إلى مثله .
Página desconocida