رضي فريد بكل هذا فأضحى يحافظ على عائلة فارس محافظة الوالد على أولاده؛ عند ذلك شعرت الفتاة لبيبة بأنه فقير لا يملك شيئا، وأن على عاتقه حملا ثقيلا ربما ينوء تحته فأخذت تميل عنه شيئا فشيئا؛ لأنها ترغب في البهرجة عن الحياة الساكنة!
أيعدل الفتى عن ابنة أديب أم يخون عهده وينكث بوعده للميت؟ فكرة طالما تنازعت فريدا الصغير وهو مستغرق في تأملاته! فكرة طالما أسهدته الليالي وحيدا على حافة سريره!
آه! إن الشاب ليحتاج إلى بعض السعادة في حياته!
ففي ذات يوم بعد أن قهر الولد نفسه وانتصر على تلك الأنانية التي تزحف حتى إلى النفوس الكريمة الطيبة، التقى بلبيبة وأرجع لها وعدها.
وعندما اختلى بنفسه قال: أية جريرة أقترف إذا قلت لها: لقد أصبح من الصعب علي أن أقترن بك وأكون لك زوجا؛ لأنني رضيت بأثقال تلك العائلة؟ ثم عاد إلى نفسه فقال: وإذا بقيت تحبني؟ إذا قالت لي بكل ما في قلبها من الألم : إذا حق لك ألا تضحي بنفسك فهل يحق لك أن تضحي بي؟ إذا قالت ذلك فماذا أجيب؟
أجل، كان لا بد للبيبة أن تقول ذلك لو كانت تحب فريدا، ولكن هذه الفكرة لم تخطر لها، فاحمرت وتضايقت عندما سمعته يحطم قيود حبه بكلماته النهائية، تلك القيود التي حطمتها قبله في ساعة من ساعات كبريائها! ولكنها قالت له: إنك مديون بكثير من الواجب لعائلة فارس! ... ولا يمكنك أن تتملص من وفائه! ... وعندي أن من الجبانة والجحود ألا تقوم بوعدك وتساعد هذه العائلة المنكودة، فالرجل أفضل له أن يضحي بسعادته من أن يرفض تتميم ما عليه من الواجبات المقدسة!
ثم أضافت إلى ذلك قولها: أنا لا أجهل أنك كنت تحبني ... وأثق كل الثقة بأنك تسعدني لو اقترنت بي.
فتشجع فريد وأجابها: إن لك من يحبك غيري، فتقدرين أن تتزوجي من جميل هاني فهو قد أنهى خدمته العسكرية ويستطيع أن يقترن بك بوقت قريب ... - آه! أتوسل إليك ألا تعيد على مسمعي مثل هذا الحديث!
كانت حركاتها تحاول أن تخدعه بالحزن إلا أن بريق عينيها كان يخون حالة نفسها فتلمع فيه هذه الكلمات: لقد كنت حاجزا لي وحجر عثرة يا فريد! أما الآن فقد انسحبت من طريقي؛ لأن الشرف والواجب أوجبا عليك أن تنسحب! لقد أصبحت حرة بفضل شرفك وواجبك، فأود أن أتزوج بأسرع ما يمكنني، فلقد كفى بنات جونية هزءا بي! ...
عرف فريد أن يقرأ ما في عيني الفتاة إلا أنه هرب من أمامها منكسر القلب دامع المقلتين! •••
Página desconocida