Cumdat Qari
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
ينْكِحهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ (بَيَان تعلق الحَدِيث بِالْآيَةِ) إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى نَبينَا وَإِلَى جَمِيع الْأَنْبِيَاء ﵈ إِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَالْحجّة لَهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك﴾ الْآيَة. وَالْإِخْلَاص النِّيَّة. قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وصاهم بالإخلاص فِي عِبَادَته وَقَالَ مُجَاهِد أوصيناك بِهِ والأنبياء دينا وَاحِدًا وَمعنى شرع لكم من الدّين دين نوح وَمُحَمّد وَمن بَينهمَا من الْأَنْبِيَاء ﵈ ثمَّ فسر الشَّرْع الْمُشْتَرك بَينهم فَقَالَ ﴿أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ﴾ . (بَيَان تعلق الحَدِيث بالترجمة) ذكر فِيهِ وُجُوه الأول أَن النَّبِي ﷺ خطب بِهَذَا الحَدِيث لما قدم الْمَدِينَة حِين وصل إِلَى دَار الْهِجْرَة وَذَلِكَ كَانَ بعد ظُهُوره وَنَصره واستعلائه فَالْأول مبدأ النُّبُوَّة والرسالة والاصطفاء وَهُوَ قَوْله بَاب بَدْء الْوَحْي. وَالثَّانِي بَدْء النَّصْر والظهور وَمِمَّا يُؤَيّدهُ أَن الْمُشْركين كَانُوا يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ بِمَكَّة فشكوا إِلَى النَّبِي ﷺ وسألوه أَن يغتالوا من أمكنهم مِنْهُم ويغدروا بِهِ فَنزلت ﴿إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا إِن الله لَا يحب كل خوان كفور﴾ فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا بِالصبرِ إِلَى أَن هَاجر النَّبِي ﷺ فَنزلت ﴿أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا﴾ الْآيَة فأباح الله قِتَالهمْ فَكَانَ إِبَاحَة الْقِتَال مَعَ الْهِجْرَة الَّتِي هِيَ سَبَب النُّصْرَة وَالْغَلَبَة وَظُهُور الْإِسْلَام الثَّانِي أَنه لما كَانَ الحَدِيث مُشْتَمِلًا على الْهِجْرَة وَكَانَت مُقَدّمَة النُّبُوَّة فِي حَقه ﷺ هجرته إِلَى الله تَعَالَى ومناجاته فِي غَار حراء فَهجرَته إِلَيْهِ كَانَت ابْتِدَاء فَضله باصطفائه ونزول الْوَحْي عَلَيْهِ مَعَ التأييد الإلهي والتوفيق الرباني الثَّالِث أَنه إِنَّمَا أَتَى بِهِ على قصد الْخطْبَة والترجمة للْكتاب وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التَّيْمِيّ لما كَانَ الْكتاب معقودا على أَخْبَار النَّبِي ﷺ طلب المُصَنّف تصديره بِأول شَأْن الرسَالَة وَهُوَ الْوَحْي وَلم ير أَن يقدم عَلَيْهِ شَيْئا لَا خطْبَة وَلَا غَيرهَا بل أورد حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ بَدَلا من الْخطْبَة وَقَالَ بَعضهم ولهذه النُّكْتَة اخْتَار سِيَاق هَذِه الطَّرِيق لِأَنَّهَا تَضَمَّنت أَن عمر بن الْخطاب ﵁ خطب بِهَذَا الحَدِيث على الْمِنْبَر فَلَمَّا صلح أَن يدْخل فِي خطْبَة المنابر كَانَ صَالحا أَن يدْخل فِي خطْبَة الدفاتر قلت هَذَا فِيهِ نظر لِأَن الْخطْبَة عبارَة عَن كَلَام مُشْتَمل على الْبَسْمَلَة والحمدلة وَالثنَاء على الله تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهله وَالصَّلَاة على النَّبِي ﷺ وَيكون فِي أول الْكَلَام والْحَدِيث غير مُشْتَمل على ذَلِك وَكَيف يقْصد بِهِ الْخطْبَة مَعَ أَنه فِي أَوسط الْكَلَام وَقَول الْقَائِل فَلَمَّا صلح أَن يدْخل فِي خطْبَة المنابر إِلَى آخِره غير سديد لِأَن خطْبَة المنابر غير خطْبَة الدفاتر فَكيف تقوم مقَامهَا وَذَلِكَ لِأَن خطْبَة المنابر تشْتَمل على مَا ذكرنَا مَعَ اشتمالها على الْوَصِيَّة بالتقوى والوعظ والتذكير وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف خطْبَة الدفاتر فَإِنَّهَا بِخِلَاف ذَلِك أما سمع هَذَا الْقَائِل لكل مَكَان مقَال غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خطب للنَّاس وَذكر فِي خطبَته فِي جملَة مَا ذكر هَذَا الحَدِيث وَلم يقْتَصر على ذكر الحَدِيث وَحده وَلَئِن سلمنَا أَنه اقْتصر فِي خطبَته على هَذَا الحَدِيث وَلَكِن لَا نسلم أَن تكون خطبَته بِهِ دَلِيلا على صَلَاحه أَن تكون خطْبَة فِي أَوَائِل الْكتب لما ذكرنَا فَهَل يصلح أَن يقوم التَّشَهُّد مَوضِع الْقُنُوت أَو الْعَكْس وَنَحْو ذَلِك وَذكروا فِيهِ أوجها أُخْرَى كلهَا مدخولة (بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة الأول الْحميدِي هُوَ أَبُو بكر عبد الله بن الزبير بن عِيسَى بن عبد الله بن الزبير بن عبد الله بن حميد بن أُسَامَة بن زُهَيْر بن الْحَرْث بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يجْتَمع مَعَ رَسُول الله ﷺ فِي قصي وَمَعَ خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد زوج النَّبِي ﷺ فِي أَسد بن عبد الْعُزَّى من رُؤَسَاء أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة توفّي بِمَكَّة سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ وروى مُسلم فِي الْمُقدمَة عَن سَلمَة بن شبيب عَنهُ الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة ابْن أبي عمرَان مَيْمُون مولى مُحَمَّد بن مُزَاحم أخي الضَّحَّاك إِمَام جليل فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْفَتْوَى وَهُوَ أحد مَشَايِخ الشَّافِعِي ولد سنة سبع وَمِائَة وَتُوفِّي غرَّة رَجَب سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة الثَّالِث يحيى بن سعيد بن قيس بن عَمْرو بن سهل بن ثَعْلَبَة بن الْحَارِث بن زيد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار الْأنْصَارِيّ الْمدنِي تَابِعِيّ مَشْهُور من أَئِمَّة
1 / 17