ودلالة هذه الأحاديث والآثار على الحث والحض والتحريض على الاقامة 31
بالمدينة وطلب الفوز باستطيانها وقصد السعادة بمجاورة مساحتها ظاهرة واضحة لائحة فإنها منبع فيض بحار أنوار الملة الإسلامية، ومشرق طلوع أقمار السعادة الحقيقية، والدار التي اختصها الله لهجرة حبيبه صلى الله عليه وسلم وظهور دينه ومحل إعلامه بالحق، وإذعان الخلق وأحب البقاع إلى الله سبحانه.
وموطن أحب الخلق إلى الله، ومهبط الملائكة المقربين، ومنزل الروح الأمين ومثوى الأكرمين من السادة القادة الأنصار المهاجرين سادات المسلمين، وعظماء الذين ثم اختارها الله محلا للجيد الزكي الطاهر وجعلها مضجع الطود الأشم والقمر الزاهر مفزعا للمحبين المشتاقين، وملجأ العشاق الوالهين، ومبدأ خلافة الأربعة المنصوصين المخصوصين من الله بالرضا أئمة العدل المشهورين السابقين في كل خير من بقى ومن مضى.
واعلم أنه لا يختار مجاورة المدينة الشريفة ولا يؤثر استطيانها غالبا إلا من يدعي محبة هذا النبي الكريم؛ فليكن لدعواك شواهد وعلامات وقرائن وأمارات وذلك بأمور منها: الإغضاء عند القرب منه صلى الله عليه وسلم فإن من علامات المحب إغضاؤه عند نظر محبوبه إليه ورميه بطرفه نحو الأرض وذلك من مهابته له وحيائه منه وعظمته في صدره قال تعالى مخبرا عن أدب رسوله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء (ما زاغ البصر (1) وما طغى) وهو غاية الأدب فإن البصر لم يزغ يمينا ولا شمالا ولا كلمح فتجاوز إلى ما هو رائيه ومقبلا عليه كالمشتاق إلى ما وراء ذلك ولهذا اشتد الوعيد للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء، وهدد بخطف البصر.
Página 31