العلماء رضي الله عنهم أمناء على الشريعة وقدموا الجرح أو التعديل عمل به مع قبول كل الرواة لما وصف به الآخر احتمالا وإنما قدم جمهورهم التعديل على الجرح وقالوا الأصل العدالة والجرح طارئ لئلا يذهب غالب أحاديث الشريعة كما قالوا أيضا إن إحسان الظن بجميع الرواة المستورين أولى وكما قالوا إن مجرد الكلام في شخص لا يسقط مرويه فلا بد من الفحص عن حاله وقد خرج الشيخان لخلق كثير ممن تكلم الناس فيهم إيثارا لإثبات الأدلة الشرعية على نفيها ليحوز الناس فضل العمل بها فكان في ذلك فضل كثير للأمة أفضل من تجريحهم كما أن في تضعيفهم للأحاديث أيضا رحمة للأمة بتخفيف الأمر بالعمل بها وإن لم يقصد الحفاظ ذلك فإنهم لو لم يضعفوا شيئا من الأحاديث وصححوها كلها لكان العمل بها واجبا وعجز عن ذلك غالب الناس فاعلم ذلك قال الحافظ المزني والحافظ الزيلعي رحمهما الله تعالى وممن خرج لهم الشيخان مع كلام الناس فيهم جعفر بن سليمان الضبعي والحارث بن عبيد وأيمن بن ثابل الحبشي وخالد بن مخلد القسواطيني وسويد بن سعيد الحدثاني ويونس ابن أبي إسحاق السبيعي وأبي أويس لكن للشيخين شروط في الرواية عمن تكلم الناس فيه منها أنهم لا يروون عنه إلا ما توبع عليه وظهرت شواهده وعلموا أن له أصلا فلا يروون عنه ما انفرد به أو خالفه فيه الثقات وذلك كحديث أبي أويس الذي رواه مسلم في صحيحه مرفوعا يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين الحديث مع أنه لم يتفرد به بل رواه غيره من الثقات كذلك منهم الإمام مالك وشعبة وابن عيينة رضي الله عنهم وصار حديثه متابعة قال الحافظ الزيلعي والدمياطي وهذه العلة قد راجت على كثير من الحفاظ لا سيما من استدرك على الصحيحين كأبي عبد الله الحاكم فكثيرا ما يقول وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما مع أن فيه هذه العلة إذ ليس كل حديث احتج برواية في الصحيح يكون صحيحا إذ لا يلزم من كون راويه محتجا به في الصحيح أن يكون كل حديث وجدناه له يكون صحيحا على شرط صاحب ذلك الصحيح لاحتمال فقد شرط من شروط ذلك الحافظ كما قدمناه فإن أحدا غير أصحاب ذلك الصحيح لم يلتزم هذه الشروط في الصحيح عنده انتهى فقد بان لك أنه ليس لنا ترك حديث كل من تكلم الناس فيه بمجرد الكلام فربما يكون قد توبع عليه وظهرت شواهده وكان له أصل وإنما لنا ترك ما انفرد به وخالف فيه الثقات ولم يظهر له شواهد ولو أننا فتحنا باب الترك لحديث كل راو تكلم بعض الناس فيه بمجرد الكلام لذهب معظم أحكام الشريعة كما مر وإذا أدى الأمر إلى مثل ذلك فالواجب على جميع اتباع المجتهدين إحسان الظن برواة جميع أدلة المذاهب المخالفة لمذاهبهم فإن جميع ما رووه لم يخرج عن مرتبتي الشريعة اللتين هما التخفيف والتشديد وقد قال الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات الكبرى ما نصه ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع جميع الأئمة الماضين وأن لا تنظر إلى كلام بعض الناس فيهم إلا ببرهان واضح ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن بحسب قدرتك فافعل وإلا فاضرب صفحا عما ترى بينهم فإنك يا أخي لم تخلق لمثل هذا وإنما خلقت للاشتغال بما يعنيك من أمر دينك قال ولا يزال الطالب عندي نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين الأئمة فتلحقه الكآبة وظلمة الوجه فإياك ثم إياك أن تصغي لما وقع بين أبي حنيفة
Página 67