جندي فقال اقرأ لي هذا الكتاب فلم يعرف أن يقرأه للجندي فمده وضربه إلى أن ألهب قلبه وقال له تكبر عمامتك وتوهم الناس إنك فقيه انتهى فكان الناس يرون أن ذلك ببركة ابن أبي زيد رحمه الله تعالى وكان بعض طلبة العلم من الشافعية المترددين إلى ينكر على أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ويقول لا أقدر أسمع لأصحابه كلاما فنهيته يوما فلم ينته ففارقني فوقع من سلم ربع عال فانكسر عظم وركه لم يزل على مقور حتى مات على أسوأ حال وأرسل إلي إني أعوده فأبيت أدبا مع أصحاب الإمام رضي الله عنه من حيث كونه يكرههم فاعلم ذلك واحفظ لسانك مع الأئمة وأتباعهم فإنهم على هدى مستقيم والحمد لله رب العالمين * (فصل) * في بيان ضعف قول من نسب الإمام أبا حنيفة إلى أنه يقدم القياس على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم أن هذا الكلام صدر من متعصب على الإمام متهور في دينه غير متورع في مقاله غافلا عن قوله تعالى إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا وعن قوله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وعن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وقد روى الإمام أبو جعفر الشيزامارى نسبة إلى قرية من قرى بلخ بسنده المتصل إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه كان يقول كذب والله وافترى علينا من يقول عنا إننا نقدم القياس على النص وهل يحتاج بعد النص إلى قياس وكان رضي الله عنه يقول نحن لا نقيس إلا عند الضرورة الشديدة وذلك أننا ننظر أولا في دليل تلك المسألة من الكتاب والسنة أو أقضية الصحابة فإن لم نجد دليلا قسنا حينئذ مسكوتا عنه على منطوق به بجامع اتحاد العلة بينهما وفي رواية أخرى عن الإمام إنا نأخذ أولا بالكتاب ثم بالسنة ثم بأقضية الصحابة ونعمل بما يتفقون عليه فإن اختلفوا قسنا حكما على حكم بجامع العلة بين المسئلتين حتى يتضح المعنى وفي رواية أخرى إنا نعمل أولا بكتاب الله ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بأحاديث أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وفي رواية أخرى أنه كان يقول ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين بأبي هو وأمي وليس لنا مخالفته وما جاءنا عن أصحابه تخيرنا وما جاء عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال وكان أبو مطيع البلخي يقول قلت للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أرأيت لو رأيت رأيا ورأي أبو بكر رأيا أكنت تدع رأيك لرأيه قال نعم فقلت له أرأيت لو رأيت رأيا ورأي عمر رأيا أكنت تدع رأيك لرأيه فقال نعم وكذلك كنت أدع رأيي لرأي عثمان وعلي وسائر الصحابة ما عدا أبا هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب انتهى قال بعضهم ولعل ذلك لنقص معرفتهم وعدم اطلاعهم على المدارك والاجتهاد وذلك لا يقدح في عدالتهم وكان أبو مطيع يقول كنت يوما عند الإمام أبي حنيفة في جامع الكوفة فدخل عليه سفيان الثوري ومقاتل بن حيان وحماد بن سلمة وجعفر الصادق وغيرهم من الفقهاء فكلموا الإمام أبا حنيفة وقالوا قد بلغنا أنك تكثر من القياس في الدين وإنا نخاف عليك منه فإن أول من قاس إبليس فناظرهم الإمام من بكرة نهار الجمعة إلى الزوال وعرض عليهم مذهبه
Página 63