بإجراء أحوال الناس على الظاهر ونهانا عن أن ننقب وننظر ما في قلوبهم رحمة بهذه الأمة كما قال تعال سبقت رحمتي غضبي ولا تسبق الرحمة الغضب إلا بكثرة وقوع الناس في المعاصي والزور وزيادة ذلك على الطاعات والصدق فافهم وعلى هذا الذي قررناه يكون إجراء أحكام الناس على الظاهر من الشرع المقرر بتقرير الشارع ونظير ذلك أيضا اكتفاؤنا من المكلف بفعل التكاليف ظاهرا وقد يكون في باطنه زنديقا على خلاف ما أظهره لنا وإن كان مراد الشارع بشريعته حقيقة إنما هو ما وافق فيه الظاهر الباطن فمن شهد زورا أو صلى غير مؤمن فليس هو على شرع مطلقا في نفس الأمر حتى يقابل بالحقيقة إنما ذلك باطل من غير الدين فإن فهمت يا أخي ما قررته لك انقدح لك الجمع بين قول من يقول إن حكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا وبين من يقول إنه ينفذ ظاهرا فقط أي في الدنيا دون الآخرة وقد ينتصر الحق تعالى لمنصب الشرع فينفذ حكم الحاكم بشهادة الزور ظاهرا وباطنا وبه قال بعض الأئمة فيسامح شهود الزور في الآخرة ويعفو عنهم ويمشي حكم الحاكم في مسألتهم كما يمشي شهادة العدول ويرضى الخصوم كل ذلك فضلا منه ورحمة بعباده وسترا على فضائحهم عند بعضهم بعضا وفي الحديث إن شخصا مات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد الصحابة كلهم فيه بالشر إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فأوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إن الذين شهدوا في فلان بالسوء صادقون ولكن الله تعالى أجاز شهادة أبي بكر تكرمة له انتهى وذلك أن مقام الصديقية يقتضي أن لا يرى صاحبه من الناس إلا محاسنهم قياسا على باطنه هو فافهم وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول لا يكمل إيمان العبد بأن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم إلا أن سلك طريق القوم وأما أصحاب الحجب الكثيفة من غالب المقلدين فمن لازمهم سوء الاعتقاد في غير إمامهم أو يسلمون له قوله وفي قلبهم منه حزازة فإياكم أن تكلفوا أحدا من هؤلاء المحجوبين بهذا الاعتقاد الشريف إلا بعد السلوك وإن شككت يا أخي في قولي هذا فاعرض عليه أقوال المذاهب وقل لكل واحد عمل بقول غير إمامك فإنه لا يطيعك في ذلك وكيف يطيعك في ذلك وأنت تريد تهدم قواعد مذهبه عنده بل ولو سلم لك ظاهرا لا يقدر على انشراح قلبه بذلك باطنا قال وقد بلغنا إن من وراء النهر جماعة من الشافعية والحنفية يفطرون في نهار رمضان ليتقووا على الجدال وادحاض بعضهم حجج بعض انتهى وقد قررنا في فصل انتقال المقلدين من مذهب إلى مذهب تحقيق المناط في ذلك واعلم يا أخي أن الأئمة المجتهدين ما سموا بذلك إلا لبذل أحدهم وسعه في استنباط الأحكام الكامنة في الكتاب والسنة فإن الاجتهاد مشتق من الجهد والمبالغة في إتعاب الفكر وكثرة النظر في الأدلة فالله تعالى يجزي جميع المجتهدين عن هذه الأمة خيرا فافهم لولا استنبطوا للأمة الأحكام من الكتاب والسنة ما قدر أحد من غيرهم على ذلك كما مر فإن قلت فما دليل المجتهدين في زيادتهم الأحكام التي استنبطوها على صريح الكتاب والسنة وهلا كانوا وقفوا على حد ما ورد صريحا فقط ولم يزيدوا على ذلك شيئا الحديث ما تركت شيئا يقربكم إلى الله ألا وقد أمرتكم به ولا شيئا يبعدكم عن الله ألا وقد نهيتكم عنه فالجواب دليلهم
Página 50