المدخل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به واجب لا عذر لأحد في تركه فإن لم يكن في كتاب الله فسنة لي ماضية فإن لم يكن في سنة لي فما قال أصحابي لأن أصحابي كالنجوم في السماء فأيما أخذتم به فقد اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة انتهى قال الجلال السيوطي ثم إنه يلزم من تخصيص تحريم الانتقال بمذهب الإمام أبي حنيفة طرد ذلك في بقية المذاهب فيقال بتحريم الانتقال من مذهب المتقدم بالزمن إلى مذهب المتأخر كالشافعي يتحول مالكيا والحنبلي يتحول شافعيا دون العكس وكل قول لا دليل عليه فهو مردود على صاحبه قال صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد انتهى * ورأيت فتوى أخرى له مطولة قد حث فيها على اعتقاد إن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم وإن تفاوتوا في العلم والفضل ولا يجوز لأحد التفضيل الذي يؤدي إلى نقص في غير إمامه قياسا على ما ورد في تفضيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد حرم العلماء التفضيل المؤدي إلى نقص نبي أو احتقاره لا سيما إن أدى ذلك إلى خصام ووقيعة في الأعراض وقد وقع الاختلاف بين الصحابة في الفروع وهم خير الأمة وما بلغنا أن أحدا منهم خاصم من قال بخلاف قوله ولا عاداه ولا نسبه إلى خطأ ولا قصور نظر وفي الحديث اختلاف أمتي رحمة وكان الاختلاف على من قبلنا عذابا أو قال هلاكا انتهى ومعنى رحمة أي توسعة على الأمة ولو كان أحد من الأئمة مخطئا في نفس الأمر لما كان اختلافهم رحمة قال وقد استنبطت من حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم إننا إذا اقتدينا بأي إمام كان اهتدينا لأنه صلى الله عليه وسلم خيرنا في الأخذ بقول من شئنا منهم من غير تعيين وما ذلك إلا لكونهم كلهم على هدى من ربهم ولو كان المصيب من المجتهدين واحدا والباقي مخطئا لكانت الهداية لا تحصل لمن قلد الباقين وكان محمد بن حزم يقول في حديث إذا اجتهد الحاكم وأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران إن المراد بالخطأ هنا عدم مصادفة الدليل كما تقدم لا الخطأ الذي يخرج صاحبه عن الشريعة إذ لو خرج به عن الشريعة لم يحصل له به أجرا انتهى * وقد دخل هارون الرشيد على الإمام مالك رضي الله عنه فقال له دعني أبا عبد الله أفرق هذه الكتب التي ألفتها وانشرها في بلاد الإسلام واحمل عليها الأمة فقال له يا أمير المؤمنين إن اختلاف العلماء رحمة من الله على هذه الأمة فكل يتبع ما صح دليله عنده وكل على هدى وكل يريد الله وكان الإمام مالك يقول كثيرا ما شاورني هارون الرشيد أن يعلق كتاب الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه فقلت له لا تفعل لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلاد وكل مصيب فقال زادك الله توفيقا يا أبا عبد الله انتهى فانظر يا أخي إن كنت مالكيا إلى قول إمامك وكل مصيب وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله تعالى يقول لما حج المنصور قال للإمام مالك إني عزمت على أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ ثم أبعث بها إلى كل مصر من أمصار المسلمين وآمرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدوه إلى غيره فقال الإمام مالك رحمه الله تعالى لا تفعل ذلك يا أمير المؤمنين فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ودانوا إلى الله تعالى به فدع
Página 45